الاثنين، 14 نوفمبر 2016

حياتى .... قصة قصيرة للأديب الشيخ محمد شرف الدين الكراديسي



حياتى .... قصة قصيرة للأديب الشيخ محمد شرف الدين الكراديسي
************************************
في ليلة النصف من رمضان سمع أهل القرية صراخ مولود جديد أتى إلى الدنيا ليعافر معها وتعافر معه ، هذا الطفل جاء بعد طول انتظار ، جاء بعد سبعة من البنات أتين قبله إكتظ البيت بهن ، فرح الأب وفرحت الأم وفرحت البنات بقدوم هذا الزائر العزيز ، ولِمَ لا وقد جاء بعد معاناة وألم ، ولِمَ لا وقد جاء ليكون ديك البرابر وأخاً وسنداً للبنات بعد والديهم ، ولِمَ لا وقد جاء ليكون الذكرى الوحيدة لوالده فى الدنيا ، فلقد فرح الجميع بقدومه فرحاً شديداً داعين الله سبحانه أن يكتب له السعادة فى الدارين الدنيا والآخرة .
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فلم تسعده الدنيا ولم تعطه وجهها بل أعطته ظهرها وأبت أن تكون معه وتسعده ، فعلى الفور ماتت أمه رمز العطف والحنان والتى كانت تتمنى أن تبقى ويمهلها القدر لترى ابنها فلذة كبدها فتىً عفياً يشار له بالبنان ، ولكن هيهات هيهات فلقد داهمها المرض وماتت قبل أن يتعرف عليها هذا الطفل المسكين .
عاش الطفل بجوار أخواته البنات وهو أصغرهم سناً ولكنه أفهمهم وأذكاهم وأنبغهم فلقد كان فطناً ذكياً فصيحاً منذ صغره ، ولكن رحلة العذاب فى هذه الدنيا بدأت عندما تزوج والده بزوجة أخرى وفى أسرع وقت ممكن وكأنما كان الأب فى انتظار موت الأم المريضة بفروغ الصبر ليفعل فعلته هذه .
وجاءت زوجة الأب وكانت امرأة جسيمة متعجرفة ليس فى قلبها رحمة ولا عطف ولا حنان على هؤلاء الأطفال الصغار الذين فقدوا أمهم رمز الحنان فى دنياهم ، ولا عجب فى ذلك فلو كان عندها عطف وحنان ما تزوجت رجلين قبل ذلك وأنجبت منهما وتركت أولادها الصغار ونظرت للزواج من رجل ثالث ، فهى امرأة شهوانية وكل غرضها فى الحياة هو إشباع غرائزها وتلبية طلباتها التى لا تنقضى .
وأصبح الأب رهن اشارة زوجته التى تصغره سناً بكثير ، وأصبح يعامل أطفاله معاملة خشنة ليس فيها عطف ولا حنان فلقد فقد الأطفال حنان الأم بعد وفاتها وحنان الأب بعد زواجه من هذه المرأة التى سيطرت على كل
حياته ، فكل ما يريده من الدنيا هو سعادة هذه المرأة .
ولكن هذا الطفل أراد الله سبحانه له أن يكون من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد ذهب به أباه إلى كُتاب القرية ليحفظ القرآن الكريم على يد أحد المحفظين وكان طفلاً متميزاً ، فلقد حفظ القرآن بأكمله وهو فى سن مبكرة جعلته يحصد معظم الجوائز فى معظم المسابقات وكان الأول دائماً وكان نوعاً من الأطفال نادراً .
ثم ذهب إلى المدرسة وأثناء دراسته كان متميزاً وكان يقرأ القرآن منذ صغره فى طابور الصباح بالمدرسة حتى أحبه الجميع .
ولم يكتفِ بذلك بل حصل على الشهادة العليا فى المحاسبة ولكن القرآن قوَّم لسانه وجعله فصيحاً لبقاً .
فلم يكتفِ بحفظه للقرآن فقط ولكنه أخذ ينهل من سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فأصبح بل صار داعيةً اسلامياً يشار له بالبنان وهو لم يتعدَّ الرابعة عشر من عمره وأخذ يجود القرآن الكريم ويبتهل إلى
الله بأجمل الإبتهالات وأخذ يكتب القصة القصيرة ويكتب الشعر بأنواعه المختلفة بل كتب مجموعة كبيرة من الكتب الدينية العظيمة والتى تعد مرجعاً لطلاب العلم فى السنة النبوية المطهرة والفقه والتفسير والتراجم والعبادات فصار متميزاً فى كل شئ .
ولكن القدر شاء أن يتوفى والده ويتركه فى أول الطريق فقامت زوجة والده بطرده من المنزل وذلك بعد أن تزوجت جميع أخواته البنات فنام فى الشارع ولم يعطف عليه أحد حتى أخواته البنات لأنهن لا يملكن شيئاً ولأنهن فى عصمة أزواجهن .
وجاءت إليه امرأة عجوز فعطفت عليه وأخذته إلى بيتها ليسكن عندها وأخذ يعمل فى عدة أعمال بغرض التقوت من عائدها فقط ، وقامت هذه المرأة ببناء بيت صغير له على قطعة أرض ورثها من والده على نفقته الخاصة .
ثم بعد ذلك عرضت عليه الزواج من ابنتها التى لم تحمل أى شهادة جامعية ولا متوسطة ولا تعرف حتى القراءة ولا الكتابة ، وعندما حاول أن يفكر مجرد تفكير نهرته بعنف وقوة ، وكما يقال فى الأمثال " اطعم الفم تستحى العين " فوافق على الفور فإنه يحتاج من تقوم على خدمته من مأكل وملبس واحتياجات أخرى كثيرة .
وتزوج هذا الشخص التعس من امرأة ليست بالذميمة ولكن الفروق بينهما واسعة وشاسعة وخصوصاً فى التعليم وعاش حياته معها ليس بينهما أى تفاهم فى أى شئ ولكن هذا قدره وهذا نصيبه فهو مؤمن بذلك تمام الإيمان ، وأنجب منها أربعة أولاد فوهب حياته لأولاده الصغار فقام على تربيتهم تربية اسلامية جميلة فأخذ فى تحفيظهم كتاب الله وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسهر على راحتهم ودعا الله أن يبقيه لهم لكى لا يعيشوا مأساته التى عاشها بوفاة والده ومن قبل والدته ولكى لا يأتى اليوم ويتزوج فيه ابن من أبنائه بإمرأة ليس بينه وبينها توافق فى أى شئ .
فهو انسان مبدع فى كل شئ ولكن لا يقدر أعماله أحد فهو يعيش وحيداً برغم وجود أولاده وزوجته بجواره وهذا هو قدره فى الحياة .
**********************************************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق