الاثنين، 14 نوفمبر 2016

كتاب أنواع القلوب لفضيلة الشيخ محمد شرف الدين الكراديسي




أنــــــــــــــــــــواع
القلــــــــــــــــــوب
قلب سليم وآخر معطوب




لفضيلة الشيخ

محمد بن عبد الله شرف الدين
الكراديسي




مقدّمة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا فَمَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ،،،
 فإن الأعمال القلبية لها منزلة وقدر، وجلالة ومكانة عظيمة في الدين؛ فهي في الجملة أعظم من أعمال الجوارح- كما سيتبين لنا إن شاء الله تعالى- ثم إن هذا الموضوع موضوع يتعلق بعضو شريف وهو القلب، وهو ملك الجوارح، ولاشك أن شرف العلم بشرف متعلقه، فالعلم الذي يتعلق بالقلب أشرف من العلم الذي يتعلق بغيره، وحديثنا عن ملك الجوارح وعن أنواعه .
 ثم أيضاً: هذا الموضوع الجليل العظيم هو من المقاصد وليس من الوسائل، ونحن في كثير من الأحيان ندرس أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وندرس النحو كل ذلك من أجل أن يكون مرقاة للفقه في الدين، وإن أعظم الفقه، ومن أجله هو ذلك الفقه المتعلق بالأعمال القلبية .
 وطالما حدثتني نفسي منذ سنين متطاولة أن أتحدث عن هذا الموضوع، وأن أتشاغل به، وأن أحث الإخوان على دراسته والنظر فيه، وأحمد الله عز وجل أن هيأ لنا هذه الفرصة لنتدارسه وإني منشرح الصدر بذلك، ولا أستخسر وقتاً أقضيه في الحديث عن أنواع القلوب، بل إني أجد هذه المجالس هي من أرجح المجالس، ومن أعظمها ومن أشرفها وأجلها، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا فيها نية صالحة، فإن قلوبنا إن صلحت؛ صلحت أعمالنا، وصلحت أحوالنا، وارتفعت كثير من مشكلاتنا. وإن فسدت هذه القلوب- التي هي القائدة للأبدان والجوارح- ؛ فسدت أعمال العبد، واضطربت عليه أحواله، ولم يعد يتصرف التصرف اللائق الذي يرضي ربه ومولاه؛ فخسر في الدنيا وخسر في الآخرة .
 وأرجو ممن سوف يطلع على كتابي هذا أن يعفو عما فيه من الخطأ والنسيان  والزلل .
وأسأل الله تعالى  أن يجعله خالصا لوجهه العظيم وأن ينفعني به وإخواني المسلمين وأن يجعله لي ولوالدي ذخيرة يوم الدين وأن لا يعاملنا بما نستحقه وأن يتفضل علينا بما هو أهله ….. وأستغفر الله تعالى  من أقوالنا التي تخالف أعمالنا.
فيا أخي المســلم ..... أقــــول لك ....
اعمل بقولي وإن قصرت في عملي
ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري
فاللهم أيد بفضلك عملنا هذا ... وسدد خطانا ... واهدينا سواء السبيل ...
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                  المؤلف
الشيخ محمد بن عبد الله شرف الدين
                                    الكــــــــراديسي









إنّ المقصود بالقلب في المصطلح الأدبيّ والدينيّ ليس ذاك العضو العضليّ الذي يقع في الطرف الأيسر من الجسم، ويضخّ الدم في العروق؛ ففي قول القرآن: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾  ق، 37.
أو ما جاء في هذا التعبير الأدبيّ اللطيف لحافظ:
هلع قلبي وإنّي أيّها الدرويش غافل               
فماذا جرى يا ترى لهذا الصيّاد الحائر
يتّضح أنّ المقصود من القلب شيءٌ سامٍ ورفيع، يختلف عن عضو الجسم هذا كلّ الاختلاف، وإن أصابه المرض أيضاً:﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً﴾   البقرة، 10.
إلا إنّ معالجة هذه الأمراض ليست من اختصاص أطبّاء القلب، وإن كان ثمّة طبيبٌ يعالجها، فهو الطبيب المختصّ بالأمراض الروحيّة.
تعريف القلب:
ما المقصود بالقلب؟ علينا أن نبحث عن جواب هذا السؤال في حقيقة وجود الإنسان. فمع أنّ الإنسان كائنٌ فردٌ واحد، فإنّ له مئات الأبعاد، بل آلافها. فالـ "أنا" إنسانٌ يتألّفُ من العديد من الأفكار والآمال، ومن الخوف والرجاء والحبّ، إلخ... وكلّ هذه الأفكار أشبه ما تكون بالأنهار والسواقي التي تلتقي في مركزٍ واحد، وهذا المركز نفسه بحرٌ عميق، لم يدّعِ أحدٌ من البشر بعد أنّه قد سبر أعماقه وعرف كنهه. ومع أنّ الفلاسفة والروحانيّين وعلماء النفس، قد وصل كلٌّ منهم إلى كشف بعض أسراره ولكنّ الظاهر أنّ الروحانيّين كانوا أكثر
 توفيقاً من غيرهم. فالذي يسمّيه القرآن بالقلب هو في الحقيقة ذلك البحر، وإنّ ما نسمّيه نحن بالروح إن هو إلا الأنهار والروافد التي تتّصل بهذا البحر.
وبما أنّ القرآن يتحدّث عن الوحي، فإنّه لا يذكر العقل، بل يقتصر على التوجّه إلى قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يعني أنّ القرآن لم يحصل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق قوّة العقل، ولا بالاستدلال العقلي، وإنّما هو قلب الرسول الذي بلغ حالةً لا نستطيع نحن تصوّرها، فأصبح فيها قادراً على إدراك تلك الحقائق السّامية وشهودها، وإن كيفيّة هذا الارتباط مبيّنة إلى حدٍّ ما في آياتٍ من سورتي النجم والتكوير.
فعندما يتحدّث القرآن عن الوحي، ويخاطب القلب، فإنّ بيانه يكون أوسع من العقل، ولكنّه ليس ضدّه؛ ذلك لأنّ ما يعرضه القرآن أوسع في منظوره من منظور العقل والشعور، بحيث لا يقدر العقل على إدراكه ويعجز عن نيله.
مميّزات القلب في القرآن الكريم:
القلب في نظر القرآن أداةٌ من أدوات المعرفة، إذ أنّ القرآن في معظم رسالته يخاطب القلب، تلك الرسالة التي تستطيع أُذن القلب وحدها سماعها، وما من أذُنٍ أخرى قادرةٍ على سماعها؛ لذلك فالقرآن كثيراً ما يُعنى بالحفاظ على هذه الأداة وتعهدّها وتربيتها.
آيات ورد فيها ذكر "القلب ومشتقاته" :
كَذ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴿٣٥ غافر﴾
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧ ق﴾
خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴿٧ البقرة﴾
فِي  قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴿١٠ البقرة﴾
ثُمَّ  قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ ﴿٧٤ البقرة﴾
وَقالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴿٨٨ البقرة﴾
قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴿٩٣ البقرة﴾
قُلْ  مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ
﴿٩٧ البقرة﴾
كذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ
﴿١١٨ البقرة﴾
إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ
﴿١٤٣ البقرة﴾
قَد نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴿١٤٤ البقرة﴾
وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
﴿٢٠٤ البقرة﴾
وَ لَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴿٢٢٥ البقرة﴾
قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
﴿٢٦٠ البقرة﴾
وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ
﴿٢٨٣ البقرة﴾
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ
﴿٧ آل عمران﴾
رَ بَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴿٨ آل عمران﴾
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴿١٠٣ آل عمران﴾
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
﴿١٢٦ آل عمران﴾
لِيَقطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ﴿١٢٧ آل عمران﴾
أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ﴿١٤٤ آل عمران﴾
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا
﴿١٤٤ آل عمران﴾
يَرُد وكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
﴿١٤٩ آل عمران﴾
سنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ﴿١٥١ آل عمران﴾
وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ
﴿١٥٤ آل عمران﴾
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴿156 آل عمران﴾
وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
﴿159 آل عمران﴾
يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴿167 آل عمران﴾
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
﴿174 آل عمران﴾
لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿196 آل عمران﴾
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
﴿63 النساء﴾
وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ
﴿155 النساء﴾
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
﴿13 المائدة﴾
وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿21 المائدة﴾
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴿41 المائدة﴾
لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ﴿41 المائدة﴾
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ﴿52 المائدة﴾
قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ﴿113 المائدة﴾
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا
﴿25 الأنعام﴾
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ
﴿43 الأنعام﴾
إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴿46 الأنعام﴾
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
﴿110 الأنعام﴾
وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿100 الأعراف﴾
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴿101 الأعراف﴾
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴿119 الأعراف﴾
قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴿125 الأعراف﴾
لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا
﴿179 الأعراف﴾
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴿2 الأنفال﴾
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴿10 الأنفال﴾
وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴿11 الأنفال﴾
سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ﴿12 الأنفال﴾
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
﴿24 الأنفال﴾
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ﴿49 الأنفال﴾
لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
﴿63 الأنفال﴾
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴿63 الأنفال﴾
إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ
﴿70 الأنفال﴾
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
﴿8 التوبة﴾
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ ﴿15 التوبة﴾
وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴿45 التوبة﴾
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ﴿48 التوبة﴾
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
﴿60 التوبة﴾
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴿64 التوبة﴾
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴿77 التوبة﴾
وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿87 التوبة﴾
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿93 التوبة﴾
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ
﴿95 التوبة﴾
إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴿110 التوبة﴾
لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴿110 التوبة﴾
مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ﴿117 التوبة﴾
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ ﴿125 التوبة﴾
صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴿127 التوبة﴾
كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴿74 يونس﴾
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴿88 يونس﴾
لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ﴿62 يوسف﴾
أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴿28 الرعد﴾
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴿28 الرعد﴾
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴿12 الحجر﴾
فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
﴿22 النحل﴾
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴿46 النحل﴾
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴿106 النحل﴾
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ
﴿108 النحل﴾
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا
﴿46 الإسراء﴾
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا ﴿14 الكهف﴾
وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴿18 الكهف﴾
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴿28 الكهف﴾
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴿36 الكهف﴾
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا
﴿42 الكهف﴾
إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا
﴿57 الكهف﴾
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴿3 الأنبياء﴾
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ
﴿11 الحج﴾
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
﴿32 الحج﴾
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴿35 الحج﴾
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿46 الحج﴾
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا
﴿46 الحج﴾
وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴿53 الحج﴾
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
﴿53 الحج﴾
فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴿54 الحج﴾
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴿60 المؤمنون﴾
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ
﴿63 المؤمنون﴾
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿37 النور﴾
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ
﴿44 النور﴾
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا ﴿50 النور﴾
قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴿50 الشعراء﴾
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89 الشعراء﴾
عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴿194 الشعراء﴾
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴿200 الشعراء﴾
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴿219 الشعراء﴾
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿227 الشعراء﴾
إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا ﴿10 القصص﴾
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
﴿21 العنكبوت﴾
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿59 الروم﴾
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴿4 الأحزاب﴾
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴿5 الأحزاب﴾
وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
﴿10 الأحزاب﴾
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12 الأحزاب﴾
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴿26 الأحزاب﴾
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴿32 الأحزاب﴾
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا
﴿51 الأحزاب﴾
ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴿53 الأحزاب﴾
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴿60 الأحزاب﴾
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿66 الأحزاب﴾
حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ﴿23 سبإ﴾
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿84 الصافات﴾
فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴿22 الزمر﴾
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ﴿23 الزمر﴾
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴿45 الزمر﴾
فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ﴿4 غافر﴾
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ
﴿18 غافر﴾
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ
﴿5 فصلت﴾
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ﴿24 الشورى﴾
وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴿14 الزخرف﴾
وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً
﴿23 الجاثية﴾
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
﴿16 محمد﴾
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴿19 محمد﴾
رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴿20 محمد﴾
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿24 محمد﴾
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴿29 محمد﴾
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا
﴿4 الفتح﴾
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴿11 الفتح﴾
وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا
﴿12 الفتح﴾
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا ﴿12 الفتح﴾
فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴿18 الفتح﴾
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
﴿26 الفتح﴾
أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ﴿3 الحجرات﴾
وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ
﴿7 الحجرات﴾
وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ
﴿14 الحجرات﴾
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴿33 ق﴾
فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴿16 الحديد﴾
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴿16 الحديد﴾
وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴿27 الحديد﴾
أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ
﴿22 المجادلة﴾
فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
﴿2 الحشر﴾
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴿10 الحشر﴾
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ﴿14 الحشر﴾
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴿5 الصف﴾
فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿3 المنافقون﴾
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿11 التغابن﴾
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴿4 التحريم﴾
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴿4 الملك﴾
وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴿31 المدثر﴾
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴿8 النازعات﴾
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿14 المطففين﴾
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ﴿31 المطففين﴾
انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿31 المطففين﴾
وَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴿9 الإنشقاق﴾

كلّ هذه الآيات تؤكّد أنّ القرآن يرى الإنسان في جوٍّ روحيٍّ ومعنويٍّ عالٍ، ويرى أيضاً أنّ على الإنسان أن يحافظ على هذا الجوّ نظيفاً نقياً، ولمّا كان كلّ سعيٍ يقوم به الفرد في الحفاظ على طهارته، في مجتمع غير سليم، يعود في الأغلب عقيماً غير موفّق، فإنّ القرآن يحثّ الناس على بذل الجهد لتصفية مجتمعهم، وتزكية محيطهم. ويشير القرآن - صراحةً - إلى أنّ ما تستثيره آياته من العشق والإيمان والرؤى والتطلّعات السامية، وتقبّل النصح، وغير ذلك، يتوقّف كلّه على تجنّب المجتمع الإنساني والإنسان نفسه الرذائل والدناءات وحبّ الذات والشهوات.
قوى الباطل واستهدافها للقلب:
يدلّنا استعراض تاريخ البشر أنّه كلّما أرادت القوى الحاكمة أن تبسط سيطرتها على مجتمعٍ ما لاستغلاله، سعت إلى ذلك المجتمع فنشرت فيه الفساد، فتُيسِّر لأفراده مجالات إشباع الشهوات، وتحثّهم على إتباع الملذّات.
لقد ظهرت أمثولة هذا الاتّجاه الشائن، الفاجع، ذي العِبرة، في أندلس الإسلام، الأندلس الذي كان يُعتبر من منابع عصر النهضة، وكان من أكثر دول أوروبّا تقدّماً، فلكي ينتزع المسيحيّون الأندلس من المسلمين، أخذوا يفسدون روحيّة الشباب المسلم وأخلاقه، فلم يألوا جهداً في توفير أسباب اللهو واللعب والانغماس في الملذّات للمسلمين، ولقد نجحوا في هذا إلى درجة أنّ القادة وكبار رجالات الدولة وقعوا في حبائلهم، فلوّثوا نفوسهم، وبذلك تمكّنوا من أن ينتزعوا ما كان في المسلم من عزمٍ وإرادةٍ وقوةٍ وشجاعةٍ وإيمانٍ وطهارة روح، فأحالوهم إلى أفراد جبناء، ضعفاء، شهوانيين، يشربون الخمر، ويرتكبون الموبقات. وممّا لا ريب فيه هو أنّ قهر شعب هذا شأنه ليس بالأمر العسير.
لقد انتقم المسيحيّون من حكومة المسلمين ذات القرون العديدة انتقاماً يخجل التاريخ أن يذكره، ويشمئزّ من ترديد تلك الجنايات الشائنة، لقد كانوا هم أولئك المسيحيّون الذين كان المسيح عليه السلام قد علّمهم أن يديروا خدّهم الأيسر لمن يصفعهم على خدّهم الأيمن، فأجرَوا في الأندلس بحاراً من دماء المسلمين، وبيّضوا بذلك وجه جنكيز (المغولي)! وبالطبع، كان السبب في هزيمة المسلمين ضعف همّتهم، وفساد روحهم، جرّاء إهمالهم تعاليم القرآن ودستوره.
وفي زماننا هذا، حينما وضع المستعمرون قدمهم في بلادنا، اعتمدوا الحالة نفسها التي حذّر منها القرآن؛ أي أنّهم سعوا إلى إفساد روح الطالب وقلبه. إنّهم يدركون حقّ الإدراك أنّ القلب المريض لن يكون قادراً على المقاومة، بل يستكين إلى كلّ انحطاطٍ واستغلال.
لذلك يولي القرآن أهميّةً كبرى لطهارة روح المجتمع، إذ يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾  المائدة : 2.
فيطلب من الناس أن يتوجّهوا أولاً إلى عمل الخير وتجنّب الإثم، ثمّ أن يكون توجّههم هذا جماعيّاً.
فيما يتعلّق بالقلب، سنورد لكم بعض أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام .
جاء في كتب السِيَر، أنّ رجلاً قدِم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال إنّ لديه ما يسأل عنه، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أتريد أن تسمع الجواب أم تريد أن تسأل؟ فقال أريد الجواب، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لقد جئت تسأل عن البِرّ والخير، وعن الإثم والشر. فقال الرجل: هو ذاك، فضمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أصابع وضرب بها صدر الرجل بلطف، وقال: استفتِ قلبك، ثمّ قال: لقد صُنع قلب المرء بحيث يكون متّصلاً بالخير، فهو يهدأ بالخير، ويضطرب بالشر. مَثَل ذلك مَثَل الجسم، إن دخل ما لا يتجانس معه اختلّ نظامه وتوازن أعضائه، كذلك روح الإنسان، تختلّ بالأعمال القبيحة. إنّ ما يسمى عندنا بعذاب الضمير، ينشأ من عدم انسجام الروح مع الآثام والأعمال الشائنة .
هنا يضع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إصبعه على أمرٍ مهمّ، وهو أنّه إن كان الإنسان باحثاً عن الحقيقة بتجرّد، وخلوص نيّة، فإنّ قلبه لن يخونه أبداً، وإنّما يهديه إلى الطريق الصحيح. في الحقيقة، إنّ الإنسان ما دام باحثاً عن الحقّ والحقيقة، ويتقدّم في طريق الحقّ، فإنّ كلّ ما يصادفه هو الحقّ والحقيقة. إلا إنّ ثمّة نقطةٌ ظريفةٌ تبعث على سوء الفهم، وهي إنّه إن ضلّ الإنسان طريقه، فالسبب هو أنّه كان منذ البداية متوجهاً وجهةً خاصّة، بعيدةً عن البحث عن الحقيقة بخلوص نيّة.
لقد أجاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشخص الذي سأله عن البرّ قائلاً له: إنّك إن كنت حقّاً تبحث عنه، فاعلم أنّك إن وجدت ضميرك قد استراح إلى أمر، فذاك هو البرّ، ولكنّك إن رغبت في شيءٍ لم يرتح له قلبك فاعلم أنّ ذاك هو الإثم.
ويسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن معنى الإيمان، فيقول: إنّ من إذا ارتكب القبيح قلق وندم، وإذا عمل صالحاً سرّ وفرح، فهذا له نصيبه من الإيمان.
نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إذا تحرّر المرء من تعلّقه بالدنيا أحسّ بحلاوة حبّ الله في قلبه، فيرى الأرض قد ضاقت به، ويسعى بكل وجوده للتحرّر من عالم المادّة والخروج منه. وهذا ما أكد أولياء الله والمنقطعون إليه صحّته بطريقة معيشتهم .. " عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو".
أصول الكافي،ج2،ص130.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الرواية والتي سبقتها، نقلها الشهيد مطهري بالمعنى لا باللفظ ".
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بالنّاس الصّبح فنظر إلى شابّ في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرّاً لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصبحت يا فلان قال أصبحت
يا رسول الله موقناً فعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله وقال إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ، فقال إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدّنيا وما فيها حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متّكئون وكأنّي أنظر إلى أهل النّار وهم فيها مُعَذّبون مصطرخون وكأَنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه هذا عبد نَوّر الله قلبه بالإيمان ثمّ قال له الزم ما أنت عليه فقال الشّابّ ادع الله لي يا رسول الله أن أرزق الشّهادة معك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر"  الكافي، ج2، ص53.
والقرآن الكريم أيضا يشير إلى أن صقل القلب يوصل الإنسان إلى مقام بحيث إنه إذا رفعت دونه الحجب لما زادته يقيناً، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً"  بحار الأنوار،ج40،ص 153.
إنّ ما يرمي إليه القرآن بتعليماته هو تربية الإنسان، مستفيداً من سلاح العلم والعقل، ومن سلاح القلب أيضاً. وهو يستعملها بأفضل أسلوب، وأرفع طريقة في سبيل الحقّ، ذلك الإنسان الذي يجسّده في أمثلة حيّة أئمتنا عليهم السلام وتلامذتهم الصالحون حقّاً.
  * أنواع القلوب في القرآن الكريم :
خلق الله تعالى الإنسان، وركز فيه نوازع الخير ونوازع الشر، وجعل له قلباً يميز به هذا وذاك، فإن كان قلباً صافياً يهتدي بنور الوحي، انقاد للخير، واستنفر الجوارح لكل عمل يقرب إلى الله، وإن كان منكوساً منكوصاً، ارتدت أعمال الجوارح إلى الشر والفساد، فركبت الضلال، وامتشقت الزيغ. فكان القلب - كما قال أبو هريرة - رضي الله عنه - :"ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خَبُث الملك خبثت جنوده". وقال ابن القيم في أعمال القلوب:"هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة". ومرجع ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ:"أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ" متفق عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم ـ:"لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبُه" صحيح الترغيب.
ولقد وردت كلمة "قلب" مفردة وجمعا، ومسندة إلى الضمائر في 132 موضعا، وذكرت كلمة "الفؤاد" باشتقاقاتها 18مرة، كما جاءت لفظة "صدر" بالإفراد والجمع، ومع الإسناد إلى الضمائر بمعنى القلب 44 مرة، بما مجموعه 194 مرة، معظمها تحذير من القلوب الزائغة الجاحدة اللاهية ، كما ذكرنا آنفاً من آى الذكر الحكيم .
وجعلوا تسمية القلب من التقلب.
قال الراغب الأصفهاني: "قيل: سمي به لكثرة تقلبه".
وقال الزمخشري: "مشتق من التقلُّب الذي هو المصدر، لفرط تقلبه".
وقال الزرقاني: "وسُمِّيَ به لتقلبه بالخواطر والعزوم".
قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ ♦♦♦ ولا القلبُ إلا إنه يتقلب.
وشهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثرَ دعاءَك: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". قال: "يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ" فتلا معاذ: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" صحيح سنن الترمذي.
وفي صحيح مسلم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-:"بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".
وهذا يستوجب أن يكون المسلم حريصا على قلبه من كل شائبة تحيده عن الاستقامة، مسيجا له من أدواء المعاصي، وأمراض الذنوب والخطايا.
وسمي القلب فؤادا لِتَفَؤُّدِه، أي: توقده واحتراقه، وجميع الآيات التي ذكر فيها لفظ الفؤاد أو الأفئدة مكية، تحمل دلالة الاضطراب، أو الاحتراق، أو القلق.
من ذلك قوله تعالى في سورة القصص: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ [القصص: 10]،
أي: فارغا من كلّ شيء، إلا من همّ موسى، وفيه نوع قلق على ابنها. فلما أراد الثبات ورباطة الجأش، أعقب ذلك بقوله سبحانه: ﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10].
ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأنعام: 110]، أي: إن أفئدتهم لا تعي شيئا ولا تفهم، فهي في حيرة وتردد.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم: "مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ". قال الطبري: أي: "متخرقةٌ لا تعي من الخير شيئا".
ومن ذلك قوله تعالى في سورة الهمزة: "وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ"،
أي: تشرف على القلوب فتحرقها.
وذكر الله تعالى أنواعا من القلوب الصحيحة، وأنواعا من القلوب الميتة أو السقيمة.
أما صنف القلوب الصحيحة، فمداره في القرآن الكريم على عشرة أنواع وهي :
1- القلب المطمئن. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
  ما أعمق القلب الذي يعيش في سلام داخلي، يملك الهدوء عليه، وكل ضيقات العالم لا تزعجه.
 إنه يستمد سلامه من الداخل، وليس من الظروف المحيطة.. لذلك فإن الظروف الخارجية لا تزعزعه.
 حقًا، إنه ليس من صالح الإنسان أن يجعل سلامه يتوقف على سبب خارجي: إن اضطربت الأحوال يضطرب معها، وإن هدأت يهدأ. سبب خارجي يجعله يثور، وسبب يجعله يفرح، وسبب يبكيه، وسبب يبهجه.. مثل هذا يكون كما قال الشاعر:
 كريشه في مهب الريح طائرة .. لا تستقر على حال من القلق
الرجل القوى يجعل الظروف الخارجية تخضع لمشاعره، تخضع لقوة قلبه، لا أن تتحكَّم في انفعالاته. ولا يخضع هو لها..
 إن حدث حادث معين، يتناوله في هدوء، يفحصه بفكر مستقر، ويبحث عن حل له. كل ذلك وهو متمالك لأعصابه، متحكم في انفعالاته. وبهذا ينتصر، ويكون أقوى من الأحداث، ويحتفظ بسلامه الداخلي.. وذلك لأن قلبه كان أكبر من الظروف وأقوى من الأحداث.. وما أصدق ذلك الكاتب الروحي الذي قال:
 إن قطعة من الطين يمكنها أن تعكر كوبًا من الماء، ولكنها لا تستطيع أن تعكر المحيط..
يأخذها المحيط، ويفرشها في أعماقه، ويقدم لك ماءً رائقًا..
 لذلك أيها القارئ العزيز، كن واسع القلب. كن رحب الصدر. كن عميقًا في داخلك. قل لنفسك في ثقة: أنا لا يمكن أن أضعف، ولا يمكن أن تنهار معنوياتي أمام الأخبار المثيرة، أو أمام الضغطات الخارجية. مهما حدث، فسأحاول أنى لا أنفعل. وإن انفعلت، سأحاول أن أسيطر على انفعالاتي.. سأبتسم للضيقات، وسأكون بشوشًا أمام الضغطات.. وسأثبت -بقوة من الله- حتى تمر العاصفة.
 لا تفكر في الضيقة التي أصابتك، ولا في أضرارها ومتاعبها. بل فكر في إيجاد حل لها.
إن كثرة التفكير في الضيقة هي التي تحطم الأعصاب وتتعب النفس أحيانًا يكون التفكير في الضيقة أشد إيلامًا للنفس من الضيقة ذاتها. إن التفكير في الضيقات هو الذي يجلب الأحزان والأمراض والهم والفكر. وهو لون من الانهيار ومن الخضوع تحت ثقل الضيقة.
 أما التفكير في إيجاد حل للضيقة، فهو الذي يعمل على سلام النفس وراحتها.
 ضع في نفسك أن كل ضيقة لها حل..
 وكل ضيقة لها مدى زمني معين تنتهي فيه.
فكر في حل لضيقتك، فإن وصلت إليه تستريح. وإن لم تصل، ثق بروح الإيمان أن لدى الله لهذه الضيقة حلول كثيرة، وأنه -تبارك اسمه- قادر أن يعينك وأن يحل جميع إشكالاتك. وتذكر ضيقات سابقة قد حلها الله، ومرت بسلام.
 واحذر من أن يوقعك الشيطان في اليأس، أو أن يصور لك الأمر معقدًا لا حل له.. فإن الإنسان المؤمن لا ييأس.
 المؤمن يعرف أن الله موجود، وانه إله رحيم، ورحمته غير محدودة، وهو ضابط الكل، والعالم كله في قبضة يديه (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. وأن الله يدبر كل شيء حسنًا، ولا بد أنه سيتدخل ويعمل عملًا.. لذلك فإن المؤمن يستريح في أعماقه، ويلقى على الرب كل همه، ويستودعه جميع إشكالاته..
 أما الذي يستسلم لليأس، فإنه يضيع نفسه. وقد يتصرف في يأسه أي تصرف خاطئ يكون أكثر ضرارًا من المشكلة القائمة نفسها.
 مثال ذلك الذي ييأس من مشاكل الحياة فينتحر.. أو مثال تلك الفتاة التي تخطئ، وتيأس من إيجاد حل لمشكلتها، فتستسلم للخطيئة وتضيع..
إن القلب القوى لا يستسلم للضيقات، والقلب الأقوى لا يشعر بالضيقة، لأنها لم تضايقه. وأتذكر أنني قلت في إحدى المرات:
 إن الضيقة قد سميت ضيقة لأن القلب قد ضاق عن أن يتسع لها.
ولو كان القلب متسعًا، ما شعر أنها ضيقة. لو كان متسعًا، ما تضايق منها.. الضيق إذن في قلوبنا، وليس في العوامل الخارجية.. وإن تعكرنا نحن، تبدو أمامنا كل الأمور متعكرة وإن تعبنا في الداخل، تبدو أمامنا كل الأمور متعبة.. أليس حقًا أن أمرًا من الأمور قد يضايق إنسانًا ما، وفي نفس الوقت لا يتضايق منه إنسان آخر، هو نفس الأمر..
ليس المهم إذن في نوع الأحداث التي تحدث لنا، بل المهم بالأكثر هو الطريقة التي نتقبل بها الأحداث ونتصرف معها.
الإنسان القوى الذي يصمد أمام الإشكالات، يزداد قوة. والإنسان الضعيف الذي ينهار أمامها، يزداد ضعفًا. فالإشكالات، فالإشكالات هي نفس الإشكالات.. ولكنها تقوى شخصًا وتزيده صلابة ومراسًا وحنكة، وتضعف شخصًا أخر، وتزيده انهيارًا وخورًا وحزنًا.
لذلك كونوا أقوياء من الداخل، وخذوا من الضيقات ما فيها من بركة، وليس ما فيها من ألم..
لقد سمح الله بالضيقات من أجل فائدتنا ونفعنا. وفي ذلك قال القديس يعقوب الرسول: "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة". إن المؤمن يشعر أن الله قد سمح له بالضيقة من أجل نفعه، لذلك يفرح بالضيقة.
وبهذا يقدم لنا الكتاب درجة روحية أعلى من احتمال الضيقات، وهى الفرح بالضيقات.. إن المسألة تحتاج إلى إيمان. لأنك ربما ترى الضيقة فقط ولا ترى الخير الإلهي الكامن فيها.. إن هذا الخير لا تراه بالعين المادية، ولكنك تراه بالأيمان، بثقتك في عمل الله المحب وحسن رعايته.. مثال ذلك يوسف الصديق: أحاطت به التجارب والضيقات حتى اتهم اتهامات باطلة وألقى في السجن. ولكن السجن كان طريقة إلى الملك إن أهل العالم قد تزعجهم التجارب، أما الإنسان المؤمن فهو ليس كذلك.
إن المتاعب قد تحيط به من الخارج، ولكنها لا تدخل مطلقًا إلى داخل نفسه..
إنه كالسفينة الكبيرة التي تمخر عباب المحيط، تضطرب الأمواج حولها، وهى سائرة في رصانة نحو هدفها، طالما أن المياه ما تزال خارجها.. مسكينة تلك السفينة، إن وُجِدَ ثقب في نفسيتها، واستطاعت المياه أن تنفذ إلى داخلها..!! احذروا أيها الأحباء من أن تدخل المياه إلى أنفسكم.
واعلموا في كل ضيقة أن التجارب التي يسمح بها الله، لها شروط منها:
    1- أنها على قدر احتمالكم،
    2- وأيضا كل تجربة معها المنفذ
    3- وإنها لابد تؤول إلى نفعكم، إن أحسنتم استخدامها.
    إن الله في محبته للبشر، لا يسمح أن تحل تجربة بإنسان يكون احتمالها أكثر من طاقته. كل التجارب التي يسمح بها الله هي في حدود احتمالنا. والتجارب القوية، لا يسمح بها الله إلا للناس الأقوياء الذين يحتملونها..  
    4- والتجارب هي مدرسة للصلاة..
    إنها تدرب الإنسان كيف يحنى ركبتيه أمام الله، وكيف يرفع قلبه قبل أن يرفع يديه، طالبًا العون من الله، الذي هو معين من لا معين له ورجاء من لا رجاء له عزاء صغيري القلوب، وميناء الذين في العاصف..
2- القلب المنيب. قال تعالى: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33].
إن المؤمن يجـب أن يـكـون دائما بـين الخـوف والـرجـاء، الخـوف مـن الله لا مـن زيـد ولا مـن عـمـرو، فـبيـد الله مـقاليد الأمـور، يخـاف الله ولا يأمـن عـقابه وعـذابه، فإنه لا يأمـن مـكـر الله إلا الـقـوم الـكافـرون، والـرجاء في رحـمة الله القائـل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الـزمـر ـ53).
فإذا المـؤمـن بالـفـرائض المـفـترضة عـليه ابتغـاء رضـا الله ورجاء فيما عند الله، لا فـيما عـنـد عـمـرو أو زيـد، وإذا تـرك المعاصي خـوفا مـن الله وحـده لا خـوفا من زيـد أو عـمـرو، فالـذي يـخشى الـرحـمن بالغـيب هـو المـؤمـن الحـقـيقي، الحـفـيظ الأواب، الـذي يخـشى الله حـيثما كان، يستشـعـر العـذاب فالله لا تخـفى عـليه خـافـية، قال تعالى: {ونعلم ما تـوسوس به نفـسه ونحـن أقرب إليه من حبل الـوريـد}.
قال تعالى : {وجـاء بـقـلب مـنيب} القـلب المـنيب هـو القـلـب السـليم الـذي قال الله تعالى فـيه: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشـعـراء 88 ـ 89)، سـليم من الإصـرار عـلى الكـفـر والمعاصي، سـليم من النفاق سـليم من الحـسـد والقـلب المنيب هـو الـرجـاع، لأن أناب بمعـنى رجـع، ومـنه قـوله تعالى:(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (الـزمـر ـ 54).
فهـو يعـلم أننا نفـر مـنه أحـيانا، ونخـرج من طـريقه أحـيانا أخـرى، كالعـبـد الآبـق عـن سـيـده مـدة، ثـم يـرجـع إليه، كـذلك المـؤمـن قـد يـفـر بسبب إغـراء نفـس أو وسـواس شـيطان، ولـكـنه ينيب ولا يتمادى في غـيه، فـيا أيها الإنسان الضال أنـت عـبـد آبـق هـربت من ربـك فارجـع إلـيه، إذا هـربت مـنه في الصـباح فارجـع إليه في المساء، وإذا هـربت مـنه في المساء فارجـع إليه في الصباح لأنـك لما أذنـبت فـقـد خـرجـت مـن تحـت طاعـته، تلك هي الإنابة وهـذا هـو الـذي يجـيء بـقـلـب منـيب.
هـذه كلمات تـدل عـلى رحـمة له بـعـبده، وأنه يـقـبل تـوبة التائـبين، ويغفر لمذنبين والمستغـفـرين، فالله هـو الـذي خـلقـنا بـشرا لا مـلائكة، ويعـم أنه قـد نخـرج عـن طاعـته ونعـصيه، ولتذلك فـهـو يـريـد مـنا أن نستمسك بعـروته الـوثـقى، ونحتـفـظ بأوامـره ونـواهـيه، وإذا زلت أقـدامنا رجـعـنا، وإذا خـرجـنا عـن الطـريق عـدنا، حـتى إذا جـاء أجـلنا لا يأتينا إلا ونحـن مسـلمون، ولـذلك يـقـول الله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقـرة ـ 132)،
فإذا مـت أيها المسـلم عـلى الإسـلام فـمعـنى هـذا أنـك قـد استغـفـرت مـن جـميع ذنـوبـك ، وأديـت كل ما عـليـك، والعـبرة بحـسن الخاتمة، والمـقــدمات الحسنى تـوصـل إلى الخـاتمـة الحسنى.
وإذا قال الله تعالى: {هـذا ما تـوعـدون} فإنه ليس لجـميع الناس، فـليس كل مـن قال :(لا إله إلا الله محمد رسـول الله) يـدخـل هـنا، كـلا وإنما هـذا فـقـط: {لكل أواب حفيظ مـن خـشي الـرحـمن بالغـيب وجـاء بقـلب مـنيب}، فـعـلى الإنسان أن يحاسـب نفـسه هـل تتحـقـق فـيه هـذه الأوصـاف أولا.
3- القلب الوجل ( الخائف ) 
قـــال تعـــالـــى :( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) آية( 60) المؤمنون
قــال تعــالـــى : ("قلوب يومئذ واجفة") الاية 8 النازعات
يقـــول الطبري في قــولــه تعــالـــى {وقلــوبهــم وجلــة}
يقـــول: خــائفـــة مــن أنهــم إلــى ربهـــم راجعــون، فــلا ينجيهـــم مــا فعلـــوا مـــن ذلك مــن عــذاب الله، فهـــم خـــائفـــون مــن المـــرجـــع إلـــى الله لــــذلك
كمـــا قــال الحســن:
إن المـــؤمــن جمــع إحســـانــا وشفقـة.
وعــن الحســـــن قـــال:{يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}
قـــال : ويعملــون مــا عملـــوا مــن أعمــال البــر، وهــم يخـــافــون ألا ينجيهــم ذلك مــن عـــذاب ربهـــم.
و قـــال ابــن عبــاس:{يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}
قـــال: المــؤمــن ينفــق مــالــه ويتصــدق وقلبــه وجــل أنــه إلــى ربــه راجــع.
و عـــن قتـــادة:{يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}
قــال: يعطــون مـــا أعطــوا ويعملــون مــا عملــوا مــن خيــر، وقلــوبهــم وجلــة خــائفــة.
4- القلب السليم. قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89].
موضوع (القلب السليم) والسالم موضوع مهم؛ ذلك أن الله سبحانه ذكر موضوع القلب السليم في آيتين كريمتين، كلاهما جاءتا في سياق الحديث عن الموقف الشركي لوالد إبراهيم عليه السلام مقابل الموقف التوحيدي لإبراهيم عليه السلام. فنحن نقرأ في هذا الصدد قوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} (الشعراء:88-89)، ونقرأ أيضاً قوله عز وجل: {إذ جاء ربه بقلب سليم}
(الصافات:84).
فالآية الأولى ترشد إلى أن الإنسان لا ينفعه إلا عمله فحسب. أما الآية الثانية فتصف حال إبراهيم عليه السلام مع ربه.   
ونحن نذكر بداية المراد بـ (القلب السليم)، ثم ننعطف على بيان دلالة هذا التعبير القرآني، وحقيقة المراد منه.
فـ (السليم) من حيث المعنى اللغوي مصدر الفعل (سلم)، أي: القلب الخالي من المرض، ومن أي عارض. أما من حيث المعنى الشرعي الخاص، فـ (القلب السليم) هو القلب الذي لا يعرف سوى الإسلام. وهذا اللفظ يشترك من حيث جذره اللغوي مع لفظ (الإسلام)، وليس يخفى ما لهذا من دلالة.
وقد وردت عن السلف أقوال متعددة في معنى (القلب السليم)، نذكر منها:
قول ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (القلب السليم): هو القلب الحييُّ، يشهد أن لا إله إلا الله.
وقال مجاهد: (القلب السليم): الذي لا شك فيه.
وقال قتادة: (القلب السليم): سليم من الشرك.
وقال ابن زيد: (القلب السليم): سليم من الشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد.
وقال الضحاك: (القلب السليم): هو الخالص.   
وقال ابن سيرين: (القلب السليم): الذي يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
وقال ابن المسيب: (القلب السليم): هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن؛ لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال تعالى في وصف المنافقين: {في قلوبهم مرض} (البقرة:10).
وقال أبو عثمان النيسابوري: (القلب السليم) هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة.
فإذا يممنا وجهنا شطر المفسرين، وجدنا شيخهم الطبري يذكر أن المراد من (القلب السليم): سلامة القلب من الشك في توحيد الله، والبعث بعد الممات. أما الرازي فيرى أن المراد من (القلب السليم) سلامة النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة. ويقرر ابن عاشور أن المراد من (القلب السليم): الخلوص من عقائد الشرك .
 بينما يذكر الشيخ السعدي أن المراد من (القلب السليم): القلب الذي سلم من الشرك والشك ومحبة الشر والإصرار على البدعة والذنوب. وكل هذه الأقوال متقاربة ومتعاضدة يشرح بعضها بعضاً.
والمهم هنا - كما قال أهل العلم - أن الإنسان لا يكون صاحب قلب سليم إلا أن يتحلى بأخلاق القرآن الكريم؛ لذلك كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، كما ورد في الحديث. فمن صفات القلب السليم أن يكون عامراً بالإسلام، ومتزيناً بخلق القرآن، فإن لم يكن كذلك، فلا يصح أن يوصف بكونه قلباً سليماً.
ومما يحسن أن يقال هنا: إن (القلب السليم) هو القلب السالم عن كل ما يضر الناس، وقد ورد في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه.
فتحصل من مجموع ما تقدم: أن قلب المؤمن يجب أن يكون سالماً من الكفر ومن الشرك ومن الشك ومن الريبة والتردد والفراغ. وأن القلب المملوء كفراً مهما تصرف صاحبه بشكل إنساني فلن يكون قلباً سليماً؛ لأن القلب الخالي من الإيمان لا يعرف طريق الخير، وإن عرفه فهو يسلكه لمصلحة مرجوة، ظاهرة أو باطنة. فبدون الإيمان تكون صور الخير والجمال والفضيلة: إما كذباً، وإما شيئاً مؤقتاً، أي فهو خال من أي قيمة حقيقية.
وقد نسمع من بعض الناس يقولون: "إن قلبي نظيف؛ لأنني أحب الناس كثيراً، وأسعى إلى مساعدتهم"، وهذا عند التحقيق والتدقيق كلام لا معنى له؛ ذلك أن القلب الذي سكنه الإلحاد والإنكار، وعشش فيه أنى يكون قلباً سالماً وسليماً؟!
ثم ها هنا بعض فوائد حول (القلب السليم) نذكرها تكميلاً للفائدة: 
الفائدة الأولى: أن قوله تعالى: {بقلب سليم} جمع جوامع كمال النفس، وهذه الجوامع مصدر محامد الأعمال. وفي الحديث: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه. ذكرها قال ابن عاشور.
الفائدة الثانية: أنه يلزم من سلامة القلب من الشرك والشك...اتصافه بأضدادها، من الإخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله، وهواه تابعاً لما جاء عن الله. ذكرها الشيخ السعدي.
الفائدة الثالثة: أن القرآن الكريم وضع (القلب السليم) مقابل المال والبنين، ولهذا دلالته؛ وذلك أن كثيراً ما يكون المال وكذلك البنون حاجزاً بين الإنسان وبين سلوك سبيل الرشاد، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى محذراً ومنبهاً: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا} (الكهف:46). وقال تعالى: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} (الأنفال:28). 
5- القلب اللين. قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23].
معاشر المسلمين : القلوب اللينة صفات أنبياء الله وعباده وأوليائه ، فهاهو صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم اللين الخاشع لربه قد وصفه الله ، بالرحمة والرأفة والشفقة فقال : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) ( التوبة : 128 )، ويثني عليه فيقول " فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " ( آل عمران : 159 ).
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رقيق القلب رحيم النفس، يعطف على الصغير ويجل الكبير، ويعرف لكل ذي حق حقه، وربما بكى رحمة بالناس عند موتهم، أو خوفاً من عقاب الله تعالى لأمته، أو عند تلاوة كتاب ربه تعالى. لقد بكى وأبكى، وأثر بتلك المواقف في قلوب من رآه عليه السلام، فكانت مواقفه دروساً عملية لأصحابه ومن بعدهم.
فهاهم أصاحبه رضوان الله تعالى عليهم يستمعون القرآن والمواعظ فتلين قلوبهم وتذرف عيونهم ، لأنها تقع على قلوب صافية طاهرة ، لينة ، يقول العِرْباضِ بنِ سَاريةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ " وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ "
عباد الله: إن القلوب اللينة الرقيقة الرحيمة الوجلة هي القلوب الصالحة القريبة من الله، التي تخشع إذا سمعت القرآن يتلى؛ فتنتفع بالذكرى، وتزداد من الهدى، وتشتمل على التقوى، وتلكم هي القلوب المرحومة التي تحرم أجسادها على النار، وتفتح لها أبواب الجنة، ونعم دار المتقين الأخيار.
ولعل سائلا يسأل وكيف لي بقلب سليم كيف يرق قلبي ، ويلين لأكون ممن يدخلون الجنة بقلوب كأفئدة الطير ؟
فالجواب : إن لذلك أسباباً من أهمها تلاوة القرآن الكريم وسماعه ، قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37]، وقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) [الزمر: 23].
ومن أعظم ما يلين القلوب ويذهب قسوتها ذكر الموت، وشهود الجنائز، وزيارة القبور، قال : ((أكثروا ذكر هادم اللذات)). وجعل الصلاة على الجنازة وتشييعها إلى المقبرة من حقوق المسلم على أخيه؛ لما يترتب عليها من لين القلب، والتزهيد في الدنيا. وقال : ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنها تذكركم الآخرة)).
ومن أعظم ما يلين القلوب كثرة ذكر الله، وحضور مجالس الذكر؛ فإنها تجلو عن القلوب صداها، وتذكرها بحقوق مولاها، وتحرضها على شكر نعماها، والتوبة إلى الله من خطاياها. (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [الرعد: 28، 29].
عبد الله : الرحمة بالمساكين والأيتام والإحسان إليهم ؛ سبب بإذن الله للين القلب ورقته ، فكلما أحسن العبد للعباد رق قلبه وازداد خيرًا، ولهذا لما شكل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه قال له " امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين "رواه أحمد
فكلما نظر العبد إلى المحتاجين والفقراء والمعوزين، وكلما بذل المعروف لهم، وكلما أحسن إليهم، وكلما نظر إلى حالهم؛ فعطف عليهم رحمة وإحسانًا ورفقًا بهم؛ رق قلبه وازداد خيرًا وإيمانًا، كلما قضى حاجة المحتاج، وكلما شفع لذوي الحاجات، وكلما بذل المعروف والإحسان؛ فإن ذلك علامة رقة قلبه، وقربه إلى الخير، كلما تذكر نعم الله عليه، ثم تذكر حاجة المحتاجين، وعوز المعوزين، ودين المهمومين؛ ففرج همًّا، وكشف غمًّا، ويسر عن معسر، وقضى دينًا عن مدين، وساهم في الخير جهده، كان قلبه رقيقًا لينًا قريبًا للخير.
كما أن لأكل الحلال، والتقرب إلى الله بنوافل الأعمال ، ومجالسة أهل العلم والإيمان، والإلحاح على الله بالدعاء ، أثر بالغ في لين القلب وحياته .
6- القلب الرحيم الرءوف. قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾. الحديد : 27
انظر لرحمته بتشريعه لديننا حين جعل كل فرض على قدر الاستطاعة، ثم اقرأ معي هذا الحديث الذي يطمئن كل مسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لما خلق الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي".
بما يعني أن الإنسان إذا عصى الله قبل أن يغضب عليه الملك سبحانه فإن الرحمة تسبق غضب الله فيرحمه قبل أن يغضب عليه.
وأيضا عندما أكل سيدنا "آدم" من الشجرة وخالف أمر الله ما كان يعرف كيف يعتذر لله لأنه لم يسبقه أحد في مخالفة الله، فعلّمه الله يا "آدم" قُل هذه الكلمات لأتوب عليك وأرحمك: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم".
ولما كان النبي يجلس وبجواره أعرابي فدخل أحد أبناء النبي أو أحفاده فحمله النبي وقبّله، فقال الأعرابي أتقبلون الصبيان؟ إنّا لا نقبلهم، فغضب النبي وقال:
"وما أفعل لك إن كان الله نزع من قلبك الرحمة".
وفي الحديث الآخر:
"ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا".
وروي في السيرة أن الصحابة نزلوا يوماً ليستريحوا في مكان فجاء طائر مع ابنه الصغير قريباً من الصحابة، فجرى الصحابة ليمسكوا بهما فطارت الأم ولم يستطع الابن أن يطير فأمسكه الصحابة فأخذ الطائر الكبير يحوم حول المعسكر فرآه النبي فقال:
"من أفجع هذه بولدها؟ رُدّوا عليها ولدها"
و"أفجع" تعني أحزن.
ورآهم قد أحرقوا جحر نمل ليناموا مكانه فقال من فعل هذا؟، قالوا نحن، فقال لهم:
"إنه لا ينبغي أن يُعذِّب بالنار إلا رب النار".
انظر لرحمة النبي عليه الصلاة والسلام بالطيور والحشرات. كل هذا ليعلمنا الرحمة بكل ما حولنا من بشر وحيوان أو حتى الجماد.
لأنه يوم كان يخطب وكان يسند يده على جذع شجرة في المسجد النبوي قبل أن يعملوا له منبرا، فلما صنعوا له منبراً ترك النبي الجذع وجعل يخطب على المنبر فسمع الصحابة في المسجد بكاءً كبكاء الصبي لا يدرون ممن يصدر حتى اقتربوا من الجذع فإذا هو الجذع الذي يبكي، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه وبشّره بمرافقته في الجنة، فسكن الجذع.
لذلك وصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الرحمة فقال: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"
حتى لما آذاه الكفار قيل له يا رسول الله "أدع عليهم" فقال الرسول الرحيم:"إني لم أبعث لعاناً إنما بعثت رحمة".
وقال لهم:"من لا يَرحَم لا يُرحَم".
ولما مات ابن النبي صلى الله عليه وسلم "إبراهيم" رُفع للرسول وهو ميت فأخذه النبي فقبّله وشمّه ثم بكى فتعجب "عبد الرحمن بن عوف" من بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله "أتبكي؟، فقال:"يا عبد الرحمن إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"، يعني أنا لا أبكي اعتراضاً على قدر الله لكني بشر أحزن كما يحزنون ويرق قلبي كسائر البشر، ثم قال الكلمة الشهيرة: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنّا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
لذلك لنوص بعضاً كلنا بالرحمة. فإذا كان الله غفر للمرأة البغي لأنها رحمت كلباً فسقته شربة ماء!! فكيف تكون رحمة الله بالابن البار بأمه الطائع لها؟! أو رحمة الزوج بزوجته الطيبة وصبره عليها ورحمتها هي به وتوددها له؟! أو رحمة الكبير بالصغير امتثالا للحديث:
"ليس منا من لم يرحم ضعيفنا ويعرف شرف كبيرنا"؟!
وأيضاً لنرحم الجماد ونتعامل معه برحمة سواء كانت الثياب أو حتى الكرسي الذي تجلس عليه عامله برفق لأن النبي عامل الجماد برحمة ورفق. وذلك حتى تبلغنا رحمه الله عز وجل ويرحمنا في أيام الرحمة لأننا في أشد الحاجة لرحمة الله بنا ليفك كروبنا ويغفر ذنوبنا وييسر أمورنا ويهدي قلوبنا بهذه الرحمة.
وكان "عمر بن عبد العزيز" يقول:"اللهم إن لم أكن أهلا لأن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني فإن رحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين"
كيف يرحمنا الله ؟!
1- ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "والرحماء يرحمهم الله".
2- تلمس مواطن الرحمة واسأل الله فيها أن يرحمك، قال الله تعالى في سورة الزمر: "أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه"
3- السماحة والرحمة في مواطن تعوّد الناس فيها على الشدة قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى".
ربنا يرحمنا برحمته الواسعة
7- القلب الخاشع. قال تعالى : (ألَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُـلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ )  الحديد: 16.
(يأن ) فعل مضارع مجزوم بلم ، أصله (أنى ) بمعنى قرب وحضر وحان وقته ، وخشوع القلب تأثيره عند مشاهدة عظمة الله وكبريائه ، فكلّ ما يذكر الإنسان بربّه فإنّه يتجلّى لديه عظمة خالقه وبارئه ومدبّر أمره ، فيخشع قلبه ، فالمؤمن عندما يُذكّر بآيات الله وما نزل من الحقّ ، فإنّه سرعان ما يخشع قلبه ، وتخضع جوارحه ، ويتذلّل أمام الله عزّ وجلّ .
والخشوع الضراعة ، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد في الجوارح . الراغب : 149.
وضدّ الخشوع التكبّر وحبّ الذات  :
(الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) غافر : 60 .
فالذين قست قلوبهم لا يخشعون ولا يتذلّلون أمام آيات الله وما نزل من الحقّ ، فيستكبرون عن عبادة الله ويتكبّرون على الخلق .
(إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر : 60 
قال الإمام الكاظم  رضى الله عنه لهشام : يا هشام ، إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا (الحجر الصلب )، فكذلک الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار، لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبّر من آلة الجهل ، ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ؟ ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه ؟ فكذلک من لم يتواضع لله خفضه الله، ومن تواضع لله رفعه .
البحار :1 153.
عن مولانا الإمام عليّ بن الحسين  رضي الله عنه : مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعلمون وما تعملون بما علمتم ، فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرآ، ولم يزدد من الله إلّا بُعدآ.
واعلم أنّه ليس العلم عبارة عن استحضار المسائل وتقرير الدلائل والبحوث ، بل هو ما زاد في خوف العبد من الله سبحانه ، ونشط في عمل الآخرة وزهد في الدنيا.
قال العالم  رضي الله عنه : أولى العلم بک ما لا يصلح لک العمل إلّا به ، وأوجب العلم بک ما أنت مسئول عن العمل به ، وألزم العلم لک ما دلّک على صلاح قلبک وأظهر لک فساده ، وأحمد العلم عاقبةً ما زاد في عملک العاجل ، فلا تشتغلنّ بعلم ما لا يضرّک جهله ، ولا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه .
ثمّ انظر الآيات الواردة بمدح العلم تجدها واصفات العلماء بما ذكرناه .
قال الله تعالى  : (إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ)
فاطر: 28.
فوصفهم بالخشية ، وقال تعالى  : (أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدآ وَقَائِمآ يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) . الزمر: 9.
فوصفهم بإحياء الليل بالقيام ومواصلة الركوع والسجود والخوف .

قال معاذ: تعلّموا العلم ، فإنّ تعلّم العلم لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومداومته تسبيح ، والبحث عنه جهاد، وآدابه خمسة : تقديم تطهير النفس عن رذائل الأخلاق ، وتقليل العلائق ، والانقياد إلى إشارة المعلّم ، وأن يكون قصده تخلية باطنه في الحال ، وتحصيل السعادة إلى الاستقبال .
8- القلب الساكن الهادئ. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4].
أصلُ السكينة : الطمأنينة والوقار .
 فلان في سكينة قلبه مطمئن ، من الداخل طمأنينة من الخارج وقار ، الحركة السريعة ، الاضطراب ، الفزع ، الصياح ، العويل ، البكاء ، هذا كله انهيار عصبي .
 فالسكينة في أدقِّ تعاريفها : طمأنينةٌ في القلب , وسكونٌ في الجوارح .
 من الداخل ومن الخارج ، هناك أشخاص يتقنون التمثيل ، يكون قلبهم في جناحِ طائر , ومع ذلك يضبطون أعصابهم الخارجية ، ولكنَّ السكينة في حقيقتها ؛ سكونٌ داخلي وسكون خارجي ، راحةٌ قلبية وهدوءٌ في الأعضاء والأعصاب .
 حدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثني إبراهيم بن يوسف قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يحدث قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول
اللهم لولا أنت ما اهتدينا          
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا          
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا             
وإن أرادوا فتنة أبينا
قال ثم يمد صوته بآخرها
 النبي في غزوة الخندق ، في وقت الشِدة ، في وقت المِحن , في وقت الاضطراب ، في وقت الخوف ، في وقت أصبحَ الإسلامُ في خطر ، أصبحَ وجود الإسلام في خطر ، بقي للإسلام بحسبِ نظرِ الناظر ساعات , في هذا الوقت الشديد , كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يحفر الخندقَ مع أصحابه , وقد وصلَ الترابُ إلى جلدة بطنه , وهو يرتجز بأبيات عبد الله بن رواحة .
 المؤمن في سكينة، المؤمن كالجبل الراسخ، المؤمن لا يفزع، لا ينهار، لا يخرج عن أطواره، لا يُحطّم الأواني إذا غضب، لا يدفع الأبواب، لا ينطلق لسانه بالسُباب، المؤمن في سكينة، في حلم، وكادَ الحليمُ أن يكونَ نبيّاً، والحلم سيد الأخلاق .
 في شيء مهم جداً: السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها, وسكنت إليها الجوارح, وخشعت, واكتسبت الوقار, وأنطقت اللسان بالصواب والحِكمة، وحالت بينه وبين قول الفُحشِ ، واللهوِّ والهجر, وكلِّ باطل .
 قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما : كُنّا نتحدّثُ أنَّ السكينة تنطقُ على لِسانِ عمر وقلبه .
 لا أدري ما السكينة ؟ أعرفُ نتائجها ؛ الطمأنينة ، الشعور بالرِضا ، الشعور بالتفوق ، الشعور بالأمن ، في قلب المؤمن من الأمن ما لو وُزِعَ على أهلِ بلدٍ مذعورين لكفاهم ، لأسكنَ خوفهم ، هذه السكينة ، نتائجها باهرة ، هي تجلّي الله عزّ وجل ، هي نورٌ يقذفه الله في قلب المؤمن ، طمأنينةٌ يزرعها في قلبه .
 قال : هذه السكينةُ إذا سكنت في القلب أنطقت اللسان ، أنطقت اللسان بالحِكمة ، أنطقت اللسان بالموعظة ، أنطقت اللسان بالحقيقة .
 سيدنا ابن عباس قال : كُنا نتحدثُ أنَّ السكينة تنطقُ على لسان عمر وقلبه .
 من كرامات صاحب السكينة :
 ينطقُ بكلامٍ دون تحضير ، دون إعداد ، دون تخطيط ، دون مطالعة ، دون مراجعة ، دون مدارسة .
 القلب الذي أنزلَ الله عليه السكينة , ينطِقُ بكلامٍ عن غير فكرةٍ منه ، ولا رواية ، ولا هِبةٍ ، يستغربه هو من نفسه ، يقول : أنا في حيرة ، والله تكلمتُ كلاماً ما أعددته , وليسَ في إمكاني أن أُعيده , كانَ فتحاً من الله عزّ وجل ، هذه من آثار السكينة ، ويستغربهُ هوَ من نفسه كما يستغرب السامِعُ له ، وربما لا يعلم بعد انقضائه بِما صدرَ منه .
 أكثر الأخوة الأكارم أحياناً في ساعات الإشراق، في ساعات الإقبال، في ساعات السكينة، ينطلقُ لسانه مع الناس بكلامٍ عجيب، مِلؤهُ الحق، مِلؤهُ الحقيقة، مُنظم، قوي، مع الدليل, مع الحُجّة، فيه قوة تأثير، لو كلّفتَ هذا المُتكلّم الذي نَطَقَ أن يُعيدَ كلامه لما استطاع .
 لذلك: هنا موطن القصيد، لماذا فُلان يتكلّم فلا يؤثر، وفُلان يتكلّم فيفعل في النفوسِ فِعل السِحر؟ هذا هو الفرق، هذا الذي تكلّمَ عن ثقافةٍ, ودراسةٍ, ومطالعةٍ, وتردادٍ, وروايةٍ, وحِفظٍ, وتذكرٍ, وقراءةٍ, وذكاءٍ, هذا الكلام ما أيّده الله بروحٍ منه، أما الذي تكلّمَ عن سكينةٍ أودعها الله في قلبه, وهي ثمرةٌ من ثمار إيمانه, واستقامته, وإخلاصه, وورعه, وتضحيته, و مؤاثرته، هذا الكلام الذي ينطقُ به الثاني يودعُ الله فيه الروح، يودعُ الله فيه قوة التأثير، وهذا يُستنبط من بعض قول الله تعالى:﴿لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[سورة المجادلة الآية: 22]
 قد تعجب، قد تجد الفصاحة، والبيان, والإتقان، والعبارة المُحكمة، والشاهد المؤيد، ولا تجد التأثير، وقد تجد التأثير مع شخصٍ أقلَّ فصاحةً، وأقلَّ عِلماً، وأقلَّ إطلاّعاً، وأقلَّ ثقافةً، هذا التفسير الوحيد للذين يؤثرون في الآخرين, لأنَّ الله سبحانه وتعالى أنزلَ على قلبهم السكينة .
 العلماء قالوا: أكثرُ ما تكون هذه السكينة عِندَ الحاجة, وعِندَ صِدق الرغبة من السائل والمُجالس، إن صار في سؤال لله عزّ وجل بصدقٍ وحرارة, الله سبحانه وتعالى يُنزلُ هذه السكينة, فإذا هيَ كلامٌ سديد، فإذا هيَ روحانية، فإذا هيَ تجلّ، فإذا هيّ قوة تأثير .
 في تعريفاتٍ دقيقةٍ للسكينة : أنَّ السكينةَ نورٌ وقوةٌ وروح، فالنور يكشف الله لكَ بالسكينة, التي هي في بعض أجزائها نور، يكشف لكَ عن دلائل الإيمان وحقائق اليقين، يجعلكَ تُميزُ بينَ الحق والباطل، وبينَ الهدى والضلال، وبينَ الغيِّ والرشاد، وبينَ الشكِ واليقين، يعني صاحبُ السكينة صاحبُ رؤيا، صاحبُ السكينة صاحبُ نور،
هكذا قال عليه الصلاة والسلام:عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأ الْمِيزَانَ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأانِ أَوْ تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ, وَالصَّلاةُ نُورٌ, وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ, وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ, وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ, كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما]
 السكينة في بعض معانيها : نورٌ يقذفه الله في القلب , ترى به الحقَ حقاً والباطلَ باطلاً .
 صاحب السكينة لا ينخدع ، صاحبُ السكينة لا يغتر بظواهر الأشياء عن حقائقها ، صاحب السكينة لا يرى رؤيةً مشوشةً ولا ضبابيةً , بل يرى رؤيةً صحيحةً ودقيقةً .
 قلنا : السكينة نورٌ وقوةٌ وروح .
 الروح توجب كمالَ اليقظة ، توجب الحضور، توجب البعدَ عن الغفلة ، توجب التأهبَ للقاء الله عزّ وجل ، عنده روحانية ، عنده حياة ، قلبه يقظ ، سريع التأثر ، سريع الاستجابة ، سريع التحسس بالخطأ، في حياة .
 فمن معاني السكينة :
 المعنى الأول : النور الذي يٌقذف في قلب المؤمن , فيُريه الخيرَ خيراً والشرَ شراً .
 من معاني السكينة : الروحانية التي يملكها .
 يقظة النفس ، لا غفلة ، لا بُعد ، لا انغماس بالشهوات ، في صحوة ، في محاسبة دقيقة ، في شعور بالرِضا ، والقوة توجب له الصِدقَ , وصحة المعرفة , ويقهر بهذه القوة داعي الغيّ .
9- القلب القوي رابط الجأش. قال تعالى: ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾.
القلب القوى، هو القلب الصامد، الذى لا تقوى عليه العوامل الخارجية، فلا يهتز بسبب من الخارج.
القلب القوى، لا تغيره كلمة مهما كانت قاسية ولا تزعجه معاملة مهما كانت شاذة، ولا تغريه إغراءات، ولا تهزه إثارات، إنه صامد، لا تتحكم فيه سوى مبادئه التى يؤمن بها، ومثالياته التى يتمسك بها.
القلب القوى لا يحوله الكبرياء مال أو جاه أو منصب أو رفعة مادية أو روحية كما لا يسقطه فى صغر النفس ما هو عكس هذا.
القلب القوى، لا ينتصر عليه القلق ولا اليأس، ولا الاضطراب ولا الخوف .
ولقوة القلب أسباب، بعضها طبيعى، وبعضها من النعمة:
هناك إنسان قوى القلب بطبعه، كالأسد، فيه جسارة، وله بسالة، ولا يخاف ولكنه قد يكون روحياً، وقد لا يكون وقد يظهر قوة فى مجالات معينة، ثم يضعف أمام دمعة أو رجاء، أمام أم أو أبن وقد يضعف أمام رغبة معينة لا يستطيع مقاومتها
وإنسان آخر، سبب قوته يتركز فى روحياته
فالإنسان الزاهد فى كل شئ، يكون دائما قوياً، لأنه لا يحرص على شئ، ولا يشتهى شيئاً، ولا توجد فيه نقطة ضعف يحاربه بها العدو .
وقد يكون سبب قوة الإنسان محبته للأبدية، فأصبح الموت نفسه لا يخيفه أو قد يكون سبب قوة قلبه، محبته للحق، والحق دائماً قوى مهما صادمته المقاومات
وقد يكون سبب قوة القلب، هو الإيمان..
الإيمان بقوة الله التى معه، والتى تحرسه وتحميه،
10- القلب المخبِت. قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحج: 54].
قال الدكتور رمضان عبد المعز، من علماء الأزهر، إن معنى القلب المُخبت هو القلب المتواضع لأوامر الله تعالى وتشريعاته وسنة رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، مشيرا إلى أن سيدنا رسول الله كان يدعو الله دائما أن يجعل قلبه مخبتا، مستشهدا بقوله (صلى الله عليه وسلم) فى دعائه: «ربى اجعلنى إليك مُخبتا».
وأضاف "عبد المعز"، خلال تقديمه برنامج «الكلم الطيب» المذاع على فضائية «تن»، أن صفة إخبات القلب ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع فقط فى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»، وقوله: «إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ»، وقوله عز وجل: «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ».
وأما صنف القلوب الميتة والمريضة، فمدارها في كتاب الله على خمسة وعشرين نوعا، وهي:
1- القلب المطبوع عليه. قال تعالى: ﴿ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100].
فإن أهم ما يجب على المسلم إصلاحه والعناية به قلبُه الذي بين جنبَيه؛ لأن القلب أساس الأعمال، وأصْل حركات البَدن، وهو لها بمثابة المَلِك لجنده، إذا طاب القلب طاب البدن، وإذا فسَد القلب فسَد البَدن.
وهذا القلب الذي يحمِله الإنسان بين جنبَيه مهما فسَد، فإنه يمكن إصلاحه بالإيمان الصادق، والإخلاص، ومحبة الله ورسوله، والأعمال الصالحة؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك.
ولكن كيف لو كان القلب ممن طبَع الله عليه؟ هل يمكن إصلاحه؟
الجواب: لا يُمكِن إصلاحه؛ لأن هذا القلب ميِّت؛ حيث إنه لا يستطيع أن ينتفِع بشيء من الأشياء؛ بسبب نهاية دوره في الأخذ والعطاء، وهذا موجِبٌ لاستِحقاق التعذيب بالنار وعدم التخلُّص منها إلا أن يشاء الله رب العالمين.
ولذا؛ فإن معرفة الأصناف والأشياء التي بسببها يطبَع الله على القلب، على ضوء الآيات القرآنية - مهم جدًّا من أجل الحِفاظ على الإيمان.
والأصناف الذين يطبَع الله على قلوبهم في القرآن تسعة، وهي:
1- الكُفْر:
قال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 155].
أي: طبَع الله تعالى عليها بسبب ذنوبهم، فرَان عليها الرَّان، فمنَعها من قَبُول الحقِّ اعتقادًا وقولاً وعملاً ..
انظر: أيسر التفاسير؛ لأبي بكر الجزائري (1/571).
 التي لا تَفهم أبدًا، ولا تُطيع مُرسلاً .. انظر: البحر المحيط؛ لأبي حيان (3/403)..
وقال تعالى أيضًا: ﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 101].
قال الطبري: "هذه القرى التي ذكَرتُ لك، يا محمد، أمْرها وأمر أهلها - يعني: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب - نقُصُّ عليك من أنبائها، فنُخبِرك عنها وعن أخبار أهلها، وما كان من أمرهم وأمْر رُسل الله التي أرسِلت إليهم؛ لتعلَم أنَّا ننصُر رُسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا، ويعلم مكذِّبوك من قومك ما عاقِبة أمْر من كذَّب رُسل الله، فيرتدِعوا عن تكذيبك؛ كما طبَع الله على قلوب هؤلاء الذين كفروا بربِّهم وعَصَوا رُسله من هذه الأمم التي قصصنا عليك نبأهم، يا محمد، في هذه السورة، حتى جاءهم بأسُ الله فهلَكوا به، كذلك يطبَع الله على قلوب الكافرين، الذين كتَب عليهم أنهم لا يؤمنون أبدًا من قومك" ..
تفسير الطبري (10- 12)، وتفسير البغوي (3/261).
2-النفاق:
قال تعالى عن المنافقين: ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 87].
وكذا قوله: ﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 93].
و"الخوالِف": النساء في البيوت.
أي: رضي هؤلاء المنافِقون - الذين إذا قيل لهم: آمنوا بالله وجاهِدوا مع رسوله، استأذَنَك أهل الغنى منهم في التخلُّف عن الغزو والخروج معك لقِتال أعداء الله من المشركين - أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهن فرْض الجهاد، فهنَّ قعودٌ في منازلهنَّ وبيوتهنّ "وطُبِع على قلوبهم"؛ أي: ختَم الله على قلوب هؤلاء المنافقين "فهم لا يفقَهون" عن الله مواعِظه، فيتَّعِظون بها ..
انظر تفسير الطبري (14/413 - 414)..
3- الإسراف في المعاصي والذنوب:
قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100].
أي: أوَلم يَتبيَّن ويتضِح للأمم الذين ورِثوا الأرض بعد إهلاك مَن قبلهم بذنوبهم، ثم عمِلوا كأعمال أولئك المُهلَكين؟
أوَلم يَهتدوا أن الله لو شاء لأصابهم بذنوبهم، فإن هذه سنَّته في الأوَّلين والآخرين؟
﴿ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ﴾: يختم عليها، فلا يَدخُلها حق، ولا يصِل إليها خير، ولا يسمعون ما يَنفعهم .
انظر تفسير السعدي ص (298)..
4- الجهل:
قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 59].
والجهل نوعان كما ذكَره ابن القيم في "مدارج السالكين": الأول: عدم معرفة الحق، والثاني: عدم العمل بموجَب الحق ومُقتَضاه، وهذه الآية تشمَل الأمرين كليهما.
وهذا دليل على أن أسوأ أحوال الإنسان عندما يُطبَع على قلبه لكثرةِ جَهْله، فيُصبح لا يَفهم ولا يعقِل شيئًا ..
أيسر التفاسير (4/196).،
 فيَختِم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقةَ ما تأتيهم به يا محمد من عند الله من هذه العِبر والعِظات، والآيات البيِّنات، فلا يَفْقهون عن الله حُجَّة، ولا يفهمون عنه ما يتلو عليهم من آي كتابه؛ فهم لذلك في طُغيانهم يتردَّدون ..
 تفسير الطبري (20/120)..
5- استحباب الدنيا على الآخرة:
قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾
[النحل: 107، 108].
حيث ارتدُّوا على أدبارهم طَمعًا في شيء من حُطام الدنيا، ورغبة فيه وزهدًا في خير الآخرة، فلما اختاروا الكفرَ على الإيمان، منَعهم الله الهداية، فلم يهدِهم؛ لأن الكفر وصْفهم، فطبع على قلوبهم فلا يدخلها خير، وعلى سمْعهم وعلى أبصارهم فلا يَنفُذ منها ما ينفعهم ويصِل إلى قلوبهم، فشمِلتْهم الغفلة، وأحاط بهم الخِذلان، وحُرِموا رحمة الله التي وسِعت كل شيء؛ وذلك أنها أتتْهم فرَدُّوها، وعُرِضت عليهم فلم يَقبلوها .. تفسير السعدي ص (450).
وهؤلاء الذين كفروا طوعًا وأصرُّوا على الشِّرك، إنما آثروا الحياة الدنيا وزينتها على نعيم الآخرة، والله لا يوفِّق مَن يُشرِك به ويجحَد آياته، بل يختِم على قلبه؛ بسبب هذا الإيثار المذموم .. تيسير التفسير؛ للقطان (2/332)..
وقال في آية أخرى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
6- اتِّباع الهوى:
قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16].
أي: إن أهل الأهواء لا يُظهِرون الاستِشكال في آيات الله، وفيما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا استِهزاءً بذلك؛ بسبب اتِّباع أهوائهم.
وهؤلاء الذين هذه صِفتهم هم القوم الذين خَتَم الله على قلوبهم، فهم لا يَهتدون للحقِّ الذي بعَث الله به رسولَه - عليه الصلاة والسلام - ﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ اتَّبعوا ما دعتْهم إليه أنفسهم، فهم لا يرجعون مما هم عليه إلى حقيقة ولا بُرهان، وسوَّى - جلَّ ثناؤه - بين صِفة هؤلاء المنافقين وبين المشركين، في أن جميعهم إنما يتَّبِعون فيما هم عليه من فِراقهم دين الله الذي ابتَعَث به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أهواءهم، فقال في هؤلاء المنافقين: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16]، وقال في أهل الكفر به من أهل الشرك: ﴿ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14] .. تفسير الطبري (22/170)..
7- التكبر:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكِبْر:
(بَطَرُ الحق، وغَمْطُ الناس)، وفي رواية: (غمص الناس)؛ رواه مسلم.
ومعنى "بَطَر الحق": تسفيهه وإبطاله، "وغَمْط الناس": الاحتِقار لهم والازدِراء بهم .. تفسير القرطبي (1/296)..
قال تعالى في حقِّهم: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].
وفي آية أخرى قال عنهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 56].
أي: كما طَبَع الله على قلوب المُسرِفين الذين يُجادِلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كذلك يَطبع الله على كل قلب متكبِّر على الله أن يوحِّده، ويُصدِّق رُسله، جبار: يعني متعظِّم عن إتباع الحقِّ.
واختلَف القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأتْه عامة قرّاء الأمصار، خلا أبي عمرو بن العلاء، على: ﴿ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ ﴾ [غافر: 35]، بإضافة القلب إلى المتكبِّر، بمعنى الخبر عن أن الله طبَع على قلوب المتكبِّرين كلها ..تفسير الطبري (21/384)..
ومن فوائد الآية:
• حُرْمة الجدال بغير عِلم، وأن صاحبه عُرْضة لمقتِ المؤمنين بعد مقت الله تعالى.
• عُرْضة المتكبر الجبار للطَّبع على قلبه، ويومها يُحرَم الهداية فلا يُهدى أبدًا .. أيسر التفاسير (4/533)..
8- تكذيب كتاب الله وسنة رسوله:
ما من إنسان يكذِّب ما جاء عن الله ورسوله، إلا وقد نَصَب العداوة لهما وصار من المعتدين.
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [يونس: 74].
قال الطبري: "ثم بعثْنا من بعد نوح رسلاً إلى قومهم، فأتوهم ببينات من الحُجج والأدلَّة على صِدْقهم، وأنهم لله رُسل، وأن ما يَدعونهم إليه حقٌّ، فما كانوا ليُصدِّقوا بما جاءتهم به رُسُلهم بما كذَّب به قوم نوح ومَن قبلهم من الأمم الخالية من قبلهم، ﴿ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴾، يقول - تعالى ذِكْره -: كما طبعْنا على قلوب أولئك فختَمنا عليها، فلم يكونوا يقبَلون من أنبياء الله نصيحتَهم، ولا يَستجيبون لدعائهم إيّاهم إلى ربهم، بما اجترَموا من الذنوب واكتسَبوا من الآثام، كذلك نطبَع على قلوب من اعتدى على ربِّه فتَجاوَز ما أمَره به من توحيده، وخالَف ما دعاهم إليه رُسُلهم من طاعته؛ عقوبة لهم على معصيتهم ربَّهم من هؤلاء الآخرين من بعدهم .
 تفسير الطبري (15/154)..
9- الارتداد عن دين الله:
قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 3]؛ أي: جعَل الله على قلوبهم خَتمًا بالكفر عن الإيمان؛ بسبب ارتِدادهم عن دينه، فهم لا يَفقهون صوابًا من خطأ، وحقًّا من باطِل؛ لطبْع الله على قلوبهم . المصدر السابق (23/395).
أيها المسلمون:
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَهتمُّ بإصلاح قلبه غاية الاهتمام، ويُعنى به تمام العناية، ويوصي كثيرًا بإصلاح القلب، ويدعو الله - عز وجل - بذلك.
ثبَت في الأحاديث الصحيحة أنه كان يقول: ( اللهم اجعَل في قلبي نورًا )، و( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يَخْشَع ).
و( اللهم نقِّ قلبي من الخطايا، كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس ).
و( اللهم يا مُقَلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك )، وغير ذلك من الأدعية؛ مما يدلُّ على حِرْص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، وأن تكون قلوب أصحابها سليمة نقيَّة؛ كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].
2- القلب القاسي. قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾.
والقسوة هي الموت ، والقساوة عبارة عن غلظة مع صلابة ، وهي عبارة عن خلو القلب من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى ، وهي أشد عقوبات القلب على الإطلاق ، ولذا ضُرِبت بها قلوب الكافرين والمنافقين.
قال مالك بن دينار : " إن لله عقوبات في القلوب والأبدان : ضنك في المعيشة ، ووهن في العبادة ، وما ضُرِب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب " ، وأكَّد على نفس المعنى حذيفة المرعشي فقال : " ما أُصيب أحد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه " .
وتأمل قول الله :
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [ البقرة : 74 ]
إشارة الى ما ذكره الله من آية إحياء القتيل أو إلى جميع العظات والقوارع التي مرَّت ببني إسرائيل ، والتي تزول منها الجبال وتلين لها الصخور ؛ وكان الأجدر أن تلين لها قلوبهم ، أما وقد لم تفعل فقد استحقت أن توصف بالقسوة لنفورها من الإيمان بعد معاينة أسبابه وموجباته ، فهذه القلوب ﴿ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ ، وقد كانت صلابة الحجر أعرف للناس وأشهر مثل يضرب للقساوة لأنها محسوسة لديهم ، ومع ذلك فقد عذر الله الحجارة لكنه لم يعذر القاسية قلوبهم فقال : ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾.
وتأمل قول الله المُعجِز يصف صاحب القلب القاسي :
﴿ وَأَحاْطَتْ بِهِ خَطيْئَتُهُ ﴾ أي استولت عليه ، وشملت جميع أحواله حتى صار محاطا بها لا ينفذ إليه من حوله شيء ، وذلك أن من أذنب ذنبا ولم يُقلع عنه جرَّه ذلك إلى العودة لمثله ، والانهماك فيه ، وارتكاب ما هو أكبر منه ؛ حتى تستولي عليه الذنوب ، وتأخذ بمجامع قلبه ، فيتحول طبعه مائلا إلى المعاصي ، مستحسنا إياها ، معتقدا أن لا لذة سواها ، مُبغِضا لمن يحول بينه وبينها ، مُكذِّبا لمن ينصحه بالبعد عنها ، كما قال الله تعالى : ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [ الروم : 10 ].
فتصبح ذنوبه كالخيمة تحجب عنه كل شيء : نظر الله إليه ، ونعيم الجنة المنتظر ، وعذاب النار المترقِّب ، وكيد إبليس المتحفِّز ، وحسرة الملائكة المشفقة ، كل ذلك يغيب عنه عند وقوعه في الذنب ولا يراه ، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
« لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن » . متفق عليه .
فقاسي القلب يموت أقرب الناس إليه ولا يتأثر ، وحي القلب يموت أبعد الناس عنه ويخشع لموته ، بل قد يقسو القلب في وقت ويلين في آخر ، فحي القلب نفسه تمر به حالات قساوة ، فيسمع الآية من كتاب الله فيبكي ، ويسمع قوارع الآيات في يوم آخر ولا يتأثر ، لأنه سمع الأولى حال سلامة قلبه والثانية حال قساوته ، وقد تأتيه الموعظة فتسري في جسده كتيار الكهرباء في يوم ، وتنزل عليه في اليوم الذي يليه كما تنزل على عمود الرخام!! والسبب قلبه ، وقد تجود يداه بالصدقة حينا وتمسك أنامله عليها أحايين كثيرة وكأنها صخرة ، والسبب أيضا قلبه. ولا تستثني القسوة أحدا حتى أنها لتضرب قلوب الذين يحملون مفاتيح القلوب ، ويعلمون سر حيوية الأرواح ، وهم قراء القرآن ، لذا بعث أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى قراء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن ، فقال : " أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم " .
3- القلب المقفل. قال تعالى: ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
[محمد: 24].
والمعنى بل على قلوب أقفالها فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه
وقال إسحاق بن راهويه: أبنا المغيرة بن سلمة، ثنا وهب، عن هشام بن عروة، عن أبيه "أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرئ شابًّا فقرأ: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) فقال الشّابّ: عليها أقفالها حتّى يخرقها اللّه. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: صدقت. وجاءه ناسٌ من أهل اليمن فسألوه أن يكتب لهم كتابًا، فأمر عبد اللّه بن الأرقم أن يكتب لهم كتابًا، فكتب لهم فجاءهم به، فقال: أصبت. وكان عمر يرى أنّه سيلي من النّاس شيئًا، فلمّا استخلف عمر- رضي اللّه عنه- سأل عن الشّابّ، فقالوا: استشهد. فقال عمر: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كذا وكذا، وقال الشّابّ كذا وكذا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: صدقت. فعرفت أنّ اللّه سيهديه، واستعمل عمر عبد اللّه بن الأرقم على بيت المال"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/270-271]
ذكر الطبرى حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا ثور بن يزيد، قال: حدّثنا خالد بن معدان، قال: ما من النّاس أحدٌ إلاّ وله أربع أعين، عينان في وجهه لمعيشته، وعينان في قلبه، وما من أحدٍ إلاّ وله شيطانٌ متبطّنٌ فقار ظهره، عاطفٌ عنقه على عنقه، فاغرٌ فاه إلى ثمرة قلبه، فإذا أراد اللّه بعبدٍ خيرًا أبصرت عيناه اللّتان في قلبه ما وعد اللّه من الغيب، فعمل به، وهما غيبٌ، فعمل بالغيب، وإذا أراد اللّه بعبدٍ شرًّا تركه، ثمّ قرأ {أم على قلوبٍ أقفالها}.
وهمزه التقرير للتسجيل عليهم وحرف { أم } للإضراب الانتقالي والمعنى : بل على قلوبهم أقفال وهذا الذي سلكه جمهور المفسرين وهو الجاري على كلام سيبويه في قوله تعالى : { أفلا تبصرون أمْ أنا خير من هذا الذي هو مهين } في سورة الزخرف ( 51 ، 52 ) ، خلافاً لما يوهمه أو توهمه ابن هشام (في مغني اللبيب ) .
وقيل يقال :( أم ) على حقيقتها للاستفهام واقعة والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر وحجه من قال بذلك قالوا أن هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة كأنه تعالى قال : { أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله } أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريقة الإسلام ، فإِذَنْ هم بين أمرين إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه ، لأن الله لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق والقرآن منهما هو الصّف الأعلى بل النوع الأشرف وإما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مُقْفَلَةً تقديره : أفلا يتبدون القرآن لكونهم ملعونين مُبْعَدِينَ { أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } فيتدبرون ولا يفهمون؛ وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يقال: أم بمعنى « بل » بل هي على حقيقتها
روى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عن أبيه قال : « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتبدرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شباٌّ من أهل اليمن بل على قولب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عُمَرَ حتى وَلِيَ فاستعان به » .
وقرأ الجمهور ( أقفالها ) بالجمع وقرىء ( إقفالها ) بكسر الهمزه على أنه مصدر كالإقبال
ونكر (قلوب ) لتبعيضها وتحقيرها بتعظيم قسوتها
وإضافة ( أقفال) لأنه يريد الأقفال المختصه بها أى الملازمه لها فدل على أنها قاسيه وهى أقفال الكفر التى أستغلقت فى تنفتح
4- القلب المكنون، أي المغطى المستور، الذي لا يبصر الحق. قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا ﴾.
فإن قيل : إذا كانوا لا يستطيعون السمع ولا يبصرون ولا يفقهون ; لأن الله جعل الأكنة المانعة من الفهم على قلوبهم ، والوقر الذي هو الثقل المانع من السمع في آذانهم فهم مجبورون ، فما وجه تعذيبهم على شيء لا يستطيعون العدول عنه والانصراف إلى غيره ؟ !
فالجواب : أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة من كتابه العظيم : أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، كالختم والطبع والغشاوة والأكنة ، ونحو ذلك إنما جعلها عليهم جزاء وفاقا لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ، فأزاغ الله قلوبهم بالطبع والأكنة ونحو ذلك ، جزاء على كفرهم ، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، أي : بسبب كفرهم ، وهو نص قرآني صريح في أن كفرهم السابق هو سبب الطبع على قلوبهم ، وقوله : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] .
5- القلب الذي عليه الران، أي: مغطى بالذنوب. قال تعالى:
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
[المطففين: 14].
تكشف هذه الآية الكريمة رقم (14) من سورة المطففين عن حقائق علمية ، ومشاعر نفسية عميقة يحسّ بها كل انسان ، وفي كل كلمة منها دلالات كبيرة ، وحبّذا لو ربط الناس بينها وبين تصرفاتهم في حياتهم اليومية. وكلمة (كلا) تفيد الردع والزجر ، وهي اجابة رادعة عن قول بعضهم في وصف تصرفات بعض الناس السيئة نتيجة معتقداتهم الفاسدة ، انهم يكذبون بيوم الدين ، وان هذا من اساطير الاولين ، فجاءت هذه الآية تقول لهم بقوة: لا.

بل ان هذا التكذيب وهذا الادعاء هو بسبب ذنوبهم التي سيطرت على قلوبهم فأعمتها عن معرفة الحقيقة ، ولكن التقدم العلمي المعاصر ، وتعدد وسائل المعرفة تجعلنا نتساءل: كيف تكون القلوب أحيانا طاهرة نقية مليئة بالمشاعر الصادقة ، وكيف تكون في احيان اخرى قلوباً صدئة مغلقة محصورة فيما اقترفته من مآثم وذنوب ، وخطايا في اثناء حياتها الطويلة. هنا يكشف العلم عن معنى (الران) او (الرين) الذي تحدثت عنه هذه الآية الكريمة قبل خمسة عشر قرنا ، وهي الآية الوحيدة في القرآن الكريم التي وردت فيها هذه الكلمة. تقول معاجم اللغة: ران قلبه قسا لاقتراف الذنب بعد الذنب ، وران الثوب يرين رينا: تطبع وتدنس. ورانت النفس خبثت وغثت. والران: الغطاء والحجاب الكثيف ، وهو ايضا ما غطى على القلب وركبه من القسوة للذنب بعد الذنب. والرّين ايضا هو الران. وقد تنبّه السادة المفسرون لهذا المعنى منذ القدم ، فقد جاء في تفسير القرطبي (ج 19 ص )257 عند تفسير هذه الآية الكريمة: (كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون): (هو الذنب على الذنب حتى يسودّ القلب. قال مجاهد: هو الرجل يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه حتى تغشى الذنوب قلبه. ونحوه عن الفراء: قال (يقول كثرت المعاصي منهم والذنوب فأحاطت بقلوبهم فذلك الرين عليها).

ولكن لنا ان نتساءل نحن الآن ، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين ، ونشهد من انتشار العلم واتساع ابواب المعرفة ، وتطور علوم النفس وعلوم الاجتماع والفلسفة والطب والفلك ، وغيرها من العلوم التطبيقية. لنا ان نتساءل عن الآلية العلمية التي تنشأ في القلب الانساني ، او في الجسد الانساني ويتأثر بها القلب ، وما زال تشتد عليه النقاط السوداء حتى يختم عليه فلا يرى شيئاً او يحس به بعد ذلك؟

لقد أثبت العلم الآن ، ان كل ما يشاهده المرء ، او يسمعه ، او يلمسه يسجل عليه في ذاكرة جسده ، مثلما تسجل الاصوات والحركات الآن على شريط (الفيديو) او (الكاسيت) او (السي دي) او غير ذلك مما اصطنعه الانسان ، واصبح حقيقة واقعة يتعامل بها الكبار والصغار ، حتى اصبحت من بدهيات الثقافة الاجتماعية.

وان كل فرد من الناس لعلى يقين من ذلك ، يراه ويلمسه في نفسه قبل ان يثبته له العلم بالوسائل والنظريات ، ان كل انسان منا يختزن في (ذاكرته) آلاف الصور والمشاهد التي رآها في حياته ، وهو يتذكرها اذا ألحت عليه الظروف والمشاعر التي أحسّ بها عندما سلجت عليه ذاكرته هذه الافعال. وان افعال المرء متنوعة بين الافعال الحسنة والافعال الرديئة ، فاذا غلبت على (ذاكرته) الافعال الحسنة كان سعيداً في دنياه ، عامراً قلبه بالخير ، لا يتذكر الا الفضائل والاعمال الحسان ، فهو يتذكر - مثلاً - صلاته ، وصيامه ، وصدقاته ، وصلته لارحامه وأقواله الصادقة ، وصلاته الاجتماعية الخيرة وما الى ذلك من تصرفات ومشاهد.

وإذا غلبت على (ذاكرته) الافعال السيئة كان شقيا في دنياه فغطى قلبه بالمشاهد السيئة التي تبعده عن ذكر الله ، فمهما حاول الابتعاد عنها استحوذت عليه لانها ملأت قلبه ونفسه فلا يستطيع ان يخرج من نطاق سيطرتها ، وهو - في الوقت نفسه ، - كلما تذكرها شدته الى تلك المواقف والحالات التي كان عليها عند مقارفة تلك الشهوات.

وهكذا يكون قلبه قد (طبع) على هذه المشاهد لا يستطيع الفكاك منها ، والافعال السيئة هي التي (ترين) على قلوب الناس ، وانظر الى الاعجاز القرآني عندما يقول الله عز وجل (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) ومادة (يكسبون) وما يشتق منها وَرَدَ جُلُّ الآيات فيها في فعل الشر ، والخطأ والرذيلة بخلاف ما يتبادر الى ذهن كثير من الناس.

وقد ذكرت هذه المادة في (67) آية في القرآن الكريم ، اكثر من (60) منها في فعل الشر ، اقرأ قوله تعالى: (ما أغنى عنه ما له وما كسب) وقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) وقوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وقوله تعالى (انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا). وقوله تعالى: (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا) وقوله تعالى: (اولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) وهكذا وهكذا كثير. وتتمثل خطورة الامر في ان هذه الاعمال السيئة تسجل في ذاكره الانسان ولا تزول عنها ، وهي التي تتحكم في تصرفاته عندما تملأ قلبه وتشغله عن استيعاب اي شيء آخر ، وقديما قالوا سبحان الذي أودع في كل قلب ما يشغله ، ولقد اصبح من المقرر ان المرء اذا لم تتجاوز حسناته شيئاته عند بلوغه الاربعين فلينح على نفسه ، لانه اصبح في مرحلة الخطر لانه من الصعب ان يعود الى الخير الا بعد مجاهدة عنيفة يحاول فيها - بالعمل الصالح - ان يمحوا ما سجل عليه من شرور ، وان يسجل بدلا منها أفعالاً خيرة. ولله در القائل - فيما رواه القرطبي في تفسيره ج 19 ص 258 - إن الران هو الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل. وهو طبعا يريد الذي يخطر بقلوب الناس ، وعلى هذا فان الانسان هو الذي يصنع حياته ، ويصنع مصيره وفق مسيره في حياته. وليت الشباب يدركون أن تصرفاتهم الأولى ستتحكم بهم في أثناء حياتهم ، ولذا أمرنا نحن في ديننا الحنيف بغض البصر ، وحفظ اللسان ، وعدم المساس بأعراض الناس ، وصيانة حواسنا مما يصرفها عن ذكر الله ، ونحن في المقابل مأمورون بذكر الله والتزام شرعه الحكيم حتى لا يسجل علينا - طوعاً او كرها - ما لا نستطيع التحرر من آثاره .
6-  القلب المختوم :
(أفَرَأيْتَ مَنِ آتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أفَلا تَذَكَّرُونَ ) . الجاثية : 23..
(خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) . البقرة : 7. .
في الآية الاُولى نسب ختم القلوب والسمع إلى الكفّار أنفسهم ، ولكن في الآية الثانية نسب إلى الله سبحانه ، وهذا يعني أنّ الحجاب تارةً بيد الإنسان وذلک من خلال أفعاله ، واُخرى حجاب إلهي نتيجة أعماله ، والكفر كالإيمان كلّي مشكّك قابل للشدّة والضعف ، ولهما مراتب ومراحل وآثار مختلفة ومتفاوتة .
فمن يتّخذ إلهه هواه وهو يعلم بأنّ له إله خالق السماوات والأرض ، فإنّ الله أضلّه على علم وختم على سمعه ، فلا يسمع كلام الحقّ ، وعلى قلبه فلا يعقل الحقّ ، وجعل على بصره غشاوة فلا يرى الحقّ ، فمن يهديه حينئذٍ من بعد الله، أفلا تذكّرون ؟ إلّا أنّ الذكرى إنّما تنفع المؤمنين ، أمّا من كان له قلب مختوم عن درک المعارف والحقائق كيف يتذكّر ويتفكّر ويتعقّل ؟ بل لمثل هؤلاء خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم .
ثمّ لا تنافي بين الضلالة عن الطريق والعلم به ، فإنّه ربما يعلم أيّ طريق هو الصراط المستقيم ، وأيّ سبيل هو سبيل الله سبحانه ، إلّا أنّه بسوء اختياره ، ومن أثر الذنوب والمعاصي ختم قلبه وغشي بصره وصمّ سمعه ، فيختار طريق الحرام والضلال عسى أن يشبع غرائزه ويصل إلى شهواته وملاذّه .
ومن حجب قلبه فإنّه يكفر بربّه ويتّخذ من دون الله أوثانآ ويتبع ويطيع هواه ، فيا ترى أما تعجب من هذا الذي اتّخذ إلهه هواه ؟! ويختم على قلبه بأن يطبع على الكفر كما قال عزّ وجلّ  :
(بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِيلا) .
  النساء: 155.
7- القلب المغلف. قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 88].
تفسير الجلالين :
«وقالوا» للنبي استهزاء «قلوبنا غُلْفٌ» جمع أغلف أي مغشاة بأغطية فلا تعي ما تقول قال تعالى: «بل» للإضراب «لعنهم الله» أبعدهم من رحمته وخذلهم عن القبول «بكفرهم» وليس عدم قبولهم لخلل في قلوبهم «فقليلا ما يؤمنون» ما زائدة لتأكيد القلة أي: إيمانهم قليل جداً.
تفسير الميسر :
وقال بنو إسرائيل لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: قلوبنا مغطاة، لا يَنْفُذ إليها قولك. وليس الأمر كما ادَّعَوْا، بل قلوبهم ملعونة، مطبوع عليها، وهم مطرودون من رحمة الله بسبب جحودهم، فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلا لا ينفعهم.

[ ص: 324 ] ) وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ( 88 ) )

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وقالوا قلوبنا غلف ) أي : في أكنة .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وقالوا قلوبنا غلف ) أي : لا تفقه .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وقالوا قلوبنا غلف ) [ قال ] هي القلوب المطبوع عليها .

وقال مجاهد : ( وقالوا قلوبنا غلف ) عليها غشاوة .

وقال عكرمة : عليها طابع . وقال أبو العالية : أي لا تفقه . وقال السدي : يقولون : عليها غلاف ، وهو الغطاء .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( وقالوا قلوبنا غلف ) هو كقوله : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) [ فصلت : 5 ] .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قوله : ( غلف ) قال : يقول : قلبي في غلاف فلا يخلص إليه ما تقول ، قرأ ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه )

وهذا هو الذي رجحه ابن جرير ، واستشهد مما روي من حديث عمرو بن مرة الجملي ، عن أبي البختري ، عن حذيفة ، قال : القلوب أربعة . فذكر منها : وقلب أغلف مغضوب عليه ، وذاك قلب الكافر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي ، أنبأنا أبي ، عن جدي ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : ( قلوبنا غلف ) قال : لم تختن .

هذا القول يرجع معناه إلى ما تقدم من عدم طهارة قلوبهم ، وأنها بعيدة من الخير .

قول آخر :

قال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وقالوا قلوبنا غلف ) قال قالوا : قلوبنا مملوءة علما لا تحتاج إلى علم محمد ، ولا غيره .

وقال عطية العوفي : ( وقالوا قلوبنا غلف ) أي : أوعية للعلم .

وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار فيما حكاه ابن جرير : " وقالوا قلوبنا غلف " بضم اللام ، أي : جمع غلاف ، أي : أوعية ، بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر . كما كانوا يمنون بعلم التوراة . ولهذا قال تعالى : ( بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ) ، أي : ليس الأمر كما ادعوا بل [ ص: 325 ] قلوبهم ملعونة مطبوع عليها ، كما قال في سورة النساء : ( وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) [ النساء : 155 ] . وقد اختلفوا في معنى قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) وقوله : ( فلا يؤمنون إلا قليلا ) ، فقال بعضهم : فقليل من يؤمن منهم [ واختاره فخر الدين الرازي وحكاه عن قتادة والأصم وأبي مسلم الأصبهاني ] وقيل : فقليل إيمانهم . بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب ، ولكنه إيمان لا ينفعهم ، لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء ، وإنما قال : ( فقليلا ما يؤمنون ) وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : قلما رأيت مثل هذا قط . تريد : ما رأيت مثل هذا قط . [ وقال الكسائي : تقول العرب : من زنى بأرض قلما تنبت ، أي : لا تنبت شيئا ] . .

حكاه ابن جرير ، والله أعلم .

شاهد المحتوى الأصلي علي بوابة الفجر الاليكترونية - بوابة الفجر: تفسير قوله تعالى " وقالوا قلوبنا غلف "
8- القلب المرعوب. قال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151].
 سلاح الرعب في ضوء القرآن الكريم :
لقد قمت باستخراج الآيات الكريمة التي تتحدّث عن الرعب في القرآن فوجدت أنّها خمس آيات , أربع منها بلفظ الرعب, وواحدة بلفظ رعباً :
1-سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران .
2- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) الأنفال .
3- وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) الأحزاب .
4- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) الحشر .
5- وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِاطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف .
* وأجزم قطعاً أنّ الرعب سلاح ربّاني , يشهره الله في وجه الكفار والطغاة , وكفرة أهل الكتاب لامؤمنيهم فهؤلاء يؤتون أجرهم مرتين . ولا أدل على ذلك من تلك اللهجة الجازمة التي تطالعنا بها سائر الكريمة , مرّة بنون العظمة , وأخرى بجلال الربوبية . وأما طريقة إشهار هذا السلاح الالهي فتكون بتوجيه الله له إلى القلوب يقذف فيها قذفاً , هكذا دفعة واحدة ولا يزحف إليها على مهل كما قد يتصوّر . فهو إذاً بيد الله تعالى وليس بيد البشر قطعاً فيما أعتقد , وإن ملكوا أسبابه فقد لا يجدي إلاّ بمشيئة الله تعالى . لأنه قد ينزع من قوم كما يقذف في قلوب آخرين . عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، قَالَ : يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْقَوْمُ عَلَى قَصْعَتِهِمْ قَالَ : قِيلَ : مِنْ قِلَّةٍ ؟ لاَ ، وَلَكِنَّهُ غُثَاءُ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَيُنْزَعُ الرُّعْبُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، لَحُبِّكُمُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتِكُمْ فِي الْمَوْتِ. ( إتحاف الخيرة 8 / 74 ) . وبعد هذا الّذي قلناه نذهب معاً إلى واحد من أمهات معاجم اللغة لنعرف معاني هذه الكلمة , الرعب . في المحيط في اللغة وجدت أنّ الرعب له جملة معان :
رعب : رَعَبْتُه رَعْباً ورُعْباً ورُعُباً: خَوَّفْتَه، فارْتَعَبَ. والتِّرْعابَةُ: الفَرُوْقَة. وهو رَعِيْبُ العَيْنِ ومَرْعُوْبُها: يُقال في الجَبَانِ والشُّجَاع بِمنزِلةِ الهَيُوْب.
والرَّعْبُ: اللَّؤْمُ. والتَّرْعِيْبُ والرَّعْبُ جميعاً: تَقْطِيْعُ السَّنَام. والقِطْعَةُ منه: رَعْبُوْبَة. ورَعَّبْتُ السَّهْمَ: أصْلحْتَ رُعْبَه: وهو رُعْظُه. ورَعَبْتُه - بالتَّخْفيف - :كَسَرْتَ رُعْبَه. وجَمْعُ الرُّعْبِ: الرِّعَبَة. والمُرَعِّبُ: المُمْتلِيءُ سِمَناً. وكذلك المُرَعْبِبُ. ومنه أُخِذَتِ الرُّعْبُوْبَةُ من النِّساء: وهي الشَّطْبَةُ المُرْتَجَّةُ سِمَناً. والرُّعْبُ: القِصَارُ من الرِّجال، والواحِدُ: رَعِيْبٌ وأرْعَب. وسَيْلٌ راعِبٌ: يَمْلأَ الواديَ: ومنه: حِسّيٌ مُتَرَاعِبٌ: أي واسِعٌ لا يَمْلأه شَيْءٌ. وحَمَامَةٌ راعِبِيَّةٌ: شَديدةُ الرَّعْبِ وهو الصَّوْتُ؛ أو نُسِبَ إلى موضِعٍ. ( المحيط في اللغة 1/94) كما ترى الرعب معناه الخوف المفضي إلى حصول الرعب في القلب .
وتبدو بوضوح فعالية هذا السلاح الربّاني بنتيجته السريعة , وهي هزيمة العدو كما سنرى لاحقاً من خلال عرض وقائع من جهاد النبي وأصحابه الكرام - صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم. ويتفرّع عن الهزيمة فعاليات مهمة لهذا السلاح وهي : خوف وهلع شديدين , ارتباك , قد يترك معه الخصم سلاحه , فيصبح أعزل ويقع أسيراً في جند الله , فيحقن بذلك دمه لأنه يفتدى بالمال أو بأسرى من أمثاله , أو يطلق بلا فداء , وقد يقتل إذا رأى أمير المؤمنين أنّ قتله فيه مصلحة راجحة للأمة . توفير الوقت والجهد والدماء لسرعة حسم المعركة . كل ما سبق يصدق على الحرب التي يضطرم أوارها بين المسلمين والكافرين سواء أكان بيدهم زمام المبادرة أو كانوا متعدًى عليهم من قبل أعدائهم , وأمّا في الثورات الاضطرابات التي تحصل بين المسلمين في دولة ما كما يحصل اليوم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية , فذلك اتجاه آخر بحيث يكون الرعب سلاحاً أيضاً ولكن بمنحى تحكمه وحدة الدين والعقيدة , دون النديّة , التي تحكم الوقائع الحربية بين المسلمين وأعدائهم . وبناء عليه فإنّ سلاح الرعب هنا مبني على حيثيتين هما : أ- ضعف أحد الفريقين في مقابلة الآخر , أي فقدان التوازن في العدد والعتاد . ب- انهيار ملكة الشجاعة لدى أحد الفريقين حيث يحل الجبن في القلوب ومعه يحصل الرعب . وهنا تبدو فعالية هذا السلاح العجيب في الأمور التالية :
1- هزيمة أحد الفريقين أمام الآخر توجب عصمة دمه وماله وعرضه لأنه مسلم , عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى . " رواه البخاري ومسلم . ( الأربعون النووية 1/17 ) وعليه فإن الإنسان إذا دان الإسلام ظاهرا فإن باطنه يوكل إلى الله , ولهذا قال:" فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله . " ويشير الحديث إلى مسألة هامّة وهي أنّ الفار المرعوب من المسلمين يحرم قتله , وهو ليس فارّاً من الزحف , بل آثر السلامة .
2- حقن الدماء , وتوفيرها , مع السلاح للمعركة مع الكفر, وتلك أولوية , من الأولويات التي يقدّرها الحاكم المسلم .
3- انعقاد الإمامة للفريق الغالب والمضي بالدولة نحو البناء والاستقرار وإرساء الأمن وسيادة الهدوء والاستقرار .
وبالتالي ندرك ما يحصل أنّ ما يحصل اليوم في البلدان المسلمة من العنف , وإثارة الرعب في القلوب وإزهاق أرواح المسلمين , ولو كانوا هاربين أو أبرياء اعتداء واضح على حرمة المسلم وكبيرة من الكبائر .
إطلالة على سلاح الرعب في السنة النبوية الشريفة : لقد أعطي نبيّنا محمد – صلى الله عليه وسلم – خاصّة النصر بالرعب , من بين جملة خصائص تفرّد بها , متميّزاً عن جميع الرسل والأنبياء – عليهم صلوات الله وسلامه - حَدَّثنا مُحَمد ، قال : حَدَّثنا عُبَيد الله ، عَن سالم أبي حماد عن السُّدِّي ، عَن عِكْرِمة ، عَن ابنِ عباس ، رَضِي الله عنهما ، قال : قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي من الأنبياء : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ولم يكن نبي من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه ونصرت بالرعب مسيرة شهر يكون بين يدي إلى المشركين فيقذف الله الرعب في قلوبهم وكان النبي يبعث إلى خاصة قومه وبعثت أنا إلى الجن والأنس وكانت الأنبياء يعزلون الخمس فتجيء النار فتأكله وأمرت أن أقسمها في فقراء أمتي ولم يبق نبي إلاَّ قد أعطي شفاعة وأخرت أنا شفاعتي لأمتي . مسند البزار 2/166 . أجل نٌصِر بالرعب – صلى الله عليه وسلم – يكون بين يديه , أي يسبقه إلى الأعداء فيقذف في قلوبهم بإذن الله , ومسيرة شهر ليست بالقليلة , خاصة في زمن تقاربت فيه المسافات , نظراً للتطوّر المذهل في وسائل النقل في عصرنا الراهن , وعلى سبيل المثال , تستطيع الطائرة أن تجوب الكرة الأرضية كلّها عشرات المرات في شهر , وبالتالي يمكن أن يأخذ سلاح الرعب مدى واسعاً زماناً ومكاناً إلى حدّ أقصى , يستطيع أيّ كان أن يتصوّر بعده . وبالرعب , هذا السلاح الربّاني الفعّال ينصر الله به من مضى على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – واتخذ من أخلاقيات الجهاد قانوناً يمضي عليه , إعلاء لكلمة الله , ونشراً للدين , وحماية للأرض والمال والعرض , ودفعاً للظلم , فلا تخريب للبلدان , ولا قتل للأبرياء , ولا إجهاز على جريح , ولا قتال إلاّ لمن يقاتل . كما جاء في ذلك القانون الرّاقي , الّذي وضعه الخليفة الأول أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه حيث خاطب جيش أسامة بن زيد الّذي عقد لواءه النبي – صلى الله عليه وسلم – قائلاً : ( انطلقوا باسم الله , على بركة الله , قاتلوا من كفر بالله , لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا تقطعوا شجراً , ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلاّ لمأكلة , وستمرّون بأناس فرّغوا أنفسهم بالصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له , وأناس قد عصبوا رؤوسهم بالعصائب فاخفقوهم بالسيف خفقاً . ) من كان هذا خلقه في الجهاد فلا ريب أن منصور بسلاح الرعب . وذات القانون الآنف الذكر ينبغي أن يلتزم به في الثورات والاضطرابات التي تحدث في البلدان العربية والإسلامية فلا يتصدى إلاّ لمن بغى على الحاكم وخرج عليه بغير وجه شرعي , وسلاح الرعب هنا له دور كبير في هزيمته والكف عن قتله إلاّ إذا صمم على قتل خصمه ووضعه في حالة الدفاع عن النفس . وهذا من قبيل دفع الصائل . ولم يكتف باستخدام سلاح الرعب , فيما عشناه من وقائع الثورات التي اجتاحت بعض الدول العربية , مطالبة بالعدل والحرية والكرامة بل استخدمت فيها كل صنوف الأسلحة المعروفة , فقصت المدن الآهلة بالسكان , فهدّمت البيوت وقتل أبرياء رجال ونساء وأطفال لم ينخرطوا في الثورة , وكثر القتل بشكل مرعب . وخرّبت البني التحتية في كثير من المدن والقرى والبلدات ودمّرت الأسواق والمحال التجارية . واتبعت سياسة المنازل المحروقة . فكيف سوّغ هؤلاء لأنفسهم تدمير بلدان وقتل شعوب ؟ لقد استبدّ بهم شعور العظمة وحب السلطة , فدفعهم بجنون لفعل ما صدر عنهم مما نسمع ونرى .
وقائع انتصر فيها النبي – صلّى الله عليه وسلّم بسلاح الرعب : أعرض هنا لأخواني واقعتين من التاريخ العسكري تحقق فيهما النصر بسلاح الرعب . وقد أتيت بالنصّ كاملاً من واحد من كتب الحديث المعتمدة هو مصنّف عبد الرزاق المحدّث المعروف بين أئمة الحديث وعلمائه .
كانت وقعة الأحزاب بعد وقعة أحد بسنتين وذلك يوم الخندق ورسول الله صلى الله عليه و سلم جانب المدينة , ورأس المشركين يومئذ أبو سفيان , فحاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب وحتى قال النبي صلى الله عليه و سلم كما أخبرني بن المسيب: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إنك إن تشأ أن لا تعبد فبينا هم على ذلك , إذ أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عيينة بن حصن بن بدر الفزاري وهو يومئذ رأس المشركين من غطفان , وهو مع أبي سفيان : أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان , وتخذل بين الأحزاب؟ فأرسل إليه عيينة إن جعلت لي الشطر فعلت. فأرسل إلى سعد بن معاذ وهو سيد الأوس وإلى سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج .فقال لهما : إن عيينة بن حصن قد سألني : نصف ثمركما , على أن ينصرف بمن معه من غطفان , ويخذل بين الأحزاب , وإني قد أعطيته الثلث فأبى إلا الشطر, فماذا تريان ؟ قالا :يا رسول الله إن كنت أمرت بشيء فامض لأمر الله .فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كنت أمرت بشيء لم أستأمركما ولكن هذا رأيي أعرضه عليكما . قالا : فإنا لا نرى أن نعطيه إلا السيف . قال :فنعم إذا.قال معمر فأخبرني بن أبي نجيح أنهما قالا له: والله يا رسول الله , لقد كان أفلان , حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم فنعم أذا قال الزهري في حديثه عن بن المسيب فبينا هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمنه الفريقان كان موادعا لهما فقال: إني كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم قال النبي صلى الله عليه و سلم فلعلنا أمرناهم بذلك وكان نعيم رجلا لا يكتم الحديث فقام بكلمة النبي صلى الله عليه و سلم فجاءه عمر . فقال : يا رسول الله إن كان هذا الأمر من الله فأمضه وإن كان رأيا منك فإن شأن قريش وبني قريظة أهون من أن يكون لأحد عليك فيه مقال فقال النبي صلى الله عليه و سلم : علي الرجل ردوه فردوه فقال انظر الذي ذكرنا لك فلا تذكره لأحد فإنما أغراه فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان فقال هل سمعتم من محمد يقول قولا إلا كان حقا قالا لا قال فإني لما ذكرت له شأن قريظة قال فلعلنا أمرناهم بذلك قال أبو سفيان سنعلم ذلك إن كان مكرا فأرسل إلى بني قريظة أنكم قد أمرتمونا أن نثبت وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم فأعطونا بذلك رهينة فقالوا إنها قد دخلت ليلة السبت وإنا لا نقضي في السبت شيئا فقال أبو سفيان إنكم في مكر من بني قريظة فارتحلوا وأرسل الله عليهم الريح وقذف في قلوبهم الرعب فأطفأت نيرانهم وقطعت أرسان خيولهم وانطلقوا منهزمين من غير قتال قال فذلك حين يقول : وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا . قال فندب النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه في طلبهم فطلبوهم حتى بلغوا حمراء الأسد قال فرجعوا قال فوضع النبي صلى الله عليه و سلم لأمته واغتسل واستجمر فنادى النبي صلى الله عليه و سلم جبريل عذيرك من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة ولم نضعها نحن بعد فقام النبي صلى الله عليه و سلم فزعا فقال لأصحابه عزمت عليكم ألا تصلوا العصر حتى تأتوا بني قريظة فغربت الشمس قبل أن يأتوها فقالت طائفة من المسلمين إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يرد أن تدعوا الصلاة فصلوا وقالت : طائفة إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وما علينا من بأس فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا وإحتسابا . قال :فلم يعنف النبي صلى الله عليه و سلم واحدا من الفريقين وخرج النبي صلى الله عليه و سلم فمر بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال هل مر بكم من أحد فقالوا : نعم مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ليس ذلك ولكنه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف في قلوبهم الرعب فحاصرهم أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فلما انتهى أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يستروه بجحفهم ليقوه الحجارة حتى يسمع كلامهم ففعلوا فناداهم : يا إخوة القردة والخنازير .فقالوا يا أبا القاسم ما كنت فاحشا فدعاهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم فأبوا أن يجيبوه إلى الإسلام . فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه من المسلمين حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ .وأبوا أن ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه و سلم فنزلوا على داء فأقبلوا بهم وسعد بن معاذ أسيرا على أتان حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأخذت قريظة تذكره بحلفهم وطفق سعد بن معاذ ينفلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مستأمرا ينتظره فيما يريد أن يحكم به فيجيب به رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن يقول انفر بما أنا حاكم وطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بقول نعم . قال سعد : فإني أحكم بأن يقتل مقاتلتهم وتقسم أموالهم وتسبى ذراريهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أصاب الحكم قال وكان حيي بن أخطب استجاش المشركين على رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلاك لبني قريظة فاستفتح عليهم ليلا فقال سيدهم إن هذا رجل مشؤوم فلا يشأمنكم حيي فناداهم يا بني قريظة ألا تستجيبوا ألا تلحقوني ألا تضيفوني فإني جامع مغرور فقالت بنو قريظة : والله لنفتحن له فلم يزالوا حتى فتحوا له فلما دخل عليهم أطمهم . قال يا بني قريظة جئتكم في عز الدهر جئتكم في عارض برد لا يقوم لسبيله شيء فقال له سيدهم اتعدنا عارض برد ينكشف عنا وتدعنا عند بحر دائم لا يفارقنا إنما تعدنا الغرور قال فواثقهم وعاهدهم لأن انفضت جموع الأحزاب أن يجيء حتى يدخل معهم أطمهم فأطاعوه حينئذ بالغدر بالنبي صلى الله عليه و سلم والمسلمين فلما فض الله جموع الأحزاب انطلق حتى إذا كان بالروحاء ذكر العهد والميثاق الذي أعطاهم فرجع حتى دخل معهم فلما أقبلت بنو قريظة أتي به مكتوفا بقد فقال حيي للنبي صلى الله عليه و سلم أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل فأمر به النبي صلى الله عليه و سلم فضربت عنقه . ( مصنّف عبد الرزاق 5/367 - 272) .
هكذا تبيّن لنا كيف انتصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسلاح الرعب الالهي القاهر , فما أقواه من سلاح لمن عرف كيف يستخدمه في الزمان والمكان على النحو المناسب .
9- القلب المشمئز. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].
اِشْمَأَزَّ مِنْهُ :-: نَفَرَ مِنْهُ كَراهَةً ، اِنْقَبَضَ ، ضاقَ بِهِ .
هذا هو معنى الاشمئزاز في اللغة ، وهو تعبير دقيق على حالة الكره والنفور الذاتية من شي‏ء ما ، وهؤلاء بلغت بهم مواقفهم السلبيّة من ذكر اللّه ان تشمئز قلوبهم من ذلك !! ومما لا ريب فيه ان هذا الاشمئزاز لم يأت من فراغ ، بل لا بد من ممارسة عمليّة لأنواع الموقف السلبي لفترة من زمن‏ وعلى مساحة عريضة من تصرفاتهم حتى انحدروا الى هذا الدرك من الفكر المشوش الحاقد .
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذَامًّا لِلْمُشْرِكِينَ أَيْضًا " وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده " أَيْ إِذَا قِيلَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده " اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ " قَالَ مُجَاهِد اِشْمَأَزَّتْ اِنْقَبَضَتْ وَقَالَ السُّدِّيّ نَفَرَتْ وَقَالَ قَتَادَة كَفَرَتْ وَاسْتَكْبَرَتْ وَقَالَ مَالِك عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم اِسْتَكْبَرَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ " أَيْ عَنْ الْمُتَابَعَة وَالِانْقِيَاد لَهَا فَقُلُوبهمْ لَا تَقْبَل الْخَيْر وَمَنْ لَمْ يَقْبَل الْخَيْر يَقْبَل الشَّرّ وَلِذَلِكَ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه " أَيْ مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد قَالَهُ مُجَاهِد " إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " أَيْ يَفْرَحُونَ وَيُسَرُّونَ . ابن كثير

10- القلب الذي لا يفقه. قال تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾.
فقد وجد الخلاف قديماً في مكان وجود العقل.. فمذهب الشافعية وجماهير المتكلمين أن العقل في القلب، وهذا القول محكي أيضاً عن الفلاسفة.
وقال أبو حنيفة: إن العقل في الدماغ، وهذا القول محكي عن الأطباء.
وقد احتج القائلون بأنه في القلب بقول الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46].
وبقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [قّ:37].
قال المفسرون: معناه لمن كان له عقل، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. رواه مسلم.
فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب، فعلم أنه ليس محلاً للعقل.
واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، ويكون من فساد الدماغ الصرع، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسكن العقل من الجسد؟ فأجاب: وأما قوله: أين مسكن العقل فيه؟ فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلق بقلبه، كما قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46].       
وقيل لابن عباس: بماذا نلت العلم، قال: بلسان سئُول وقلب عقول.
لكن لفظ القلب قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفها علقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد.
وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً، فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك، ومنه سمى القليب قليباً لأنه أخرج قلبه وهو باطنه.
وعلى هذا.. فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضاً، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب فإذا كمل انتهى إلى الدماغ.
والتحقيق أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا، وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا؛ لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد، فلا بد أن يكون القلب متصوراً فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ وآثاره صاعده إلى الدماغ، فمنه المبتدأ، وإليه الانتهاء، وكلا القولين له وجه صحيح. انتهى
وما ذكره شيخ الإسلام هنا هو الأقرب إلى الصواب... على أن الخوض في هذا الأمر خوض فيما له تعلق بالروح، وقد قال جل وعلا عن الروح: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85].
والله أعلم.

11- القلب الذي لا يعقل. قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الحج: 46].
هل العقل في الدماغ أم في القلب ؟
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد .. الله سبحانه هو الذي علم ذلك فهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين ويعلم أيضا ما تخفي الصدور أي القلوب لأن القلوب في الصدور والقلوب هي التي يكون بها العقل ويكون بها الفهم ويكون بها التدبير كما قال الله { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها }.

وقال { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } سبحان الله كأن هذه الآية تنزل على حال الناس اليوم بل حال الناس في القديم يعني هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب ؟ .

هذه مسألة أشكلت على كثير من النظار الذين ينظرون إلى الأمور نظرة مادية لا يرجعون فيها إلى قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فالحقيقة أن الأمر فيها واضح أن العقل في القلب وأن القلب في الصدر { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها }.

وقال { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } ولم يقل القلوب التي في الأدمغة فالأمر فيه واضح جدا أن العقل يكون في القلب ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فما بالك بأمر شهد به كتاب الله والله هو الخالق العالم بكل شيء وشهدت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

إن الواجب علينا إزاء ذلك أن نطرح كل قول يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نجعله تحت أقدامنا وأن لا نرفع به رأسا ، إذا القلب هو محل العقل ولا شك ولكن الدماغ محل التصور ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلى القلب ثم القلب يأمر أو ينهى فكأن الدماغ سكرتير يجهز الأشياء ثم يدفعها إلى القلب ثم القلب يأمر أو ينهى وهذا ليس بغريب { وفي أنفسكم أفلا تبصرون }.

وفي هذا الجسم أشياء غريبة تحار فيها العقول وأيضا قلنا هذا لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : إذا صلحت صلح الجسد فلولا أن الأمر للقلب ما كان إذا صلح صلح الجسد وإذا فسد فسد الجسد كله إذا فالقلوب هي محل العقل والتدبير للشخص ولكن لا شك أن لها اتصالا بالدماغ ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد العقل فهذا مرتبط بهذا لكن العقل المدبر في القلب والقلب في الصدر { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } .

12- القلب المنكر. قال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾. سورة النحل : 22
فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة أي لا تقبل الوعظ ولا ينفع فيها الذكر ، وهذا رد على القدرية .
تفسير الجلالين :
«إلهكم» المستحق للعبادة منكم «إله واحد» لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو الله تعالى «فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة» جاحدة للوحدانية «وهم مستكبرون» متكبرون عن الإيمان بها.
تفسير الميسر :
إلهكم المستحق وحده للعبادة هو الله الإله الواحد، فالذين لا يؤمنون بالبعث قلوبهم جاحدة وحدانيته سبحانه؛ لعدم خوفهم من عقابه، فهم متكبرون عن قبول الحق، وعبادة الله وحده.
أوّل دعوة الله سبحانه وتعالى ، ودعوة العقل السليم ، ودعوة الأنبياء والأوصياء والصالحين ، هي دعوة التوحيد، فإنّ إلهكم إله واحد، لا ثاني له ، ولا شريک ولا ندّ ولا مثيل ولا ضدّ له ، كما أنّه أحد لا تركيب فيه ، إلّا أنّ هناک من ينكر هذه الحقيقة فلا يؤمن بالمبدأ كما لا يؤمن بالآخرة وبيوم المعاد، لأنّ له قلب منكر ومستكبر، وذلک من كثرة الذنوب والمعاصي واتّباع الشهوات ، فأنكروا كلام الحقّ ، واستكبروا على الخلق ، واستهزأوا بآيات الله، ولم تنفعهم الحجج والبراهين القطعية الدالّة على وحدانية الله، وأن يؤمنوا بيوم القيامة يوم الحساب ، ويؤمنوا بكتب الله وملائكته ، ومن آمن بالمعاد فإنّه يؤمن بالمبدأ، ومن له قلب منكر للحقّ ، فإنّه يحاول أن يتكبّر على الناس بتركه الحقّ ، ومن كان لجوجآ ومعاندآ، فإنّه لا يؤمن بالآخرة ، ومن لم يؤمن بيوم القيامة ، فإنّه لا يتورّع من أيّ ذنبٍ كان ، ومن لم يتورّع من الذنوب ، فإنّ له قلب منكر للحقّ ، ومن أنكر الحقّ استكبر وعلا في الأرض ، فكان من الكافرين ، فله خزي في الدنيا وفي الآخرة له عذاب عظيم .


13- القلب المغمور، أي: الجاهل الغافل. قال تعالى: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 63].
يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون، من أن إمدادناهم بما نمدّهم به من مال وبنين، بخير نسوقه بذلك إليهم والرضا منا عنهم، ولكن قلوبهم في غمرة عمى عن هذا القرآن. وعنى بالغمرة: ما غمر قلوبهم فغطاها عن فهم ما أودع الله كتابه من المواعظ والعبر والحجج. وعنى بقوله: ( مِنْ هَذَا ) من القرآن.
تفسير الجلالين :
﴿الذين هم في غمرة﴾ جهل يغمرهم
﴿ساهون﴾ غافلون عن أمر الآخرة.
تفسير الميسر :
لُعِن الكذابون الظانون غير الحق، الذين هم في لُـجَّة من الكفر والضلالة غافلون متمادون.
قوله تعالى : بل قلوبهم في غمرة من هذا قال مجاهد : أي في غطاء ، وغفلة ، وعماية عن القرآن . ويقال : غمره الماء إذا غطاه . ونهر غمر يغطي من دخله . ورجل غمر يغمره آراء الناس . وقيل : غمرة لأنها تغطي الوجه . ومنه دخل في غمار الناس وخمارهم ، أي فيما يغطيه من الجمع . وقيل : بل قلوبهم في غمرة أي في حيرة وعمى ؛ أي مما وصف من أعمال البر في الآيات المتقدمة ؛ قاله قتادة . أو من الكتاب الذي ينطق بالحق .
14- القلب المريض. قال تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾.

1- الشك وضعف الايمان من مرض القلوب:
"إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ.." . الأنفال أية 49
من المقصود بـ "المنافقون و الذين في قلوبهم مرض"؟ قيل: إنهم مجموعة من الذين مالوا إلى الإسلام في مكة - و لكن لم تصح عقيدتهم و لم تطمئن قلوبهم - خرجوا مع النفير مزعزعين، فلما رأوا قلة المسلمين و كثرة المشركين قالوا هذه المقالة! والمنافقون والذين في قلوبهم مرض لا يدركون حقيقة أسباب النصر وأسباب الهزيمة فهم يرون ظواهر الأمور   .
 سيد بن قطب بن ابراهيم شاذلي (في ظلال القران ج 3 ص1532)
. فالمرض هنا بمعنى الريب والشك، ويردفه النفاق حسب سياق الأية أي أن النفاق من مميزات القلب المريض.
2-  القلب المريض معرض للرجس و الضلال:
"وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" وهم أهل الشك و النفاق "فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ" . التوبة أية 125
. أي ضلالا جديدا إلى ضلالهم القديم وقد سمى الله سبحانه الضلال رجسا في قوله: " ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ"   الأنعام أية 125
. و المقابلة الواقعة بين "الَّذِينَ آمَنُوا" و "الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" تفيد أن هؤلاء ليس في قلوبهم إيمان صحيح و إنما هو الشك أو الجحود و كيفما كان فهو الكفر و لذلك قال "وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ".
والآية تدل على أن السورة من القرآن لا تخلو من تأثير في قلب من استمعه، فإن كان قلبا سليما زادته إيمانا و استبشارا و سرورا، و إن كان قلبا مريضا زادته رجسا و ضلالا نظير ما يفيده قوله -تعالى-: "وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً" . الإسراء: 82
. أي أن القلب المريض فيه ظلم ورجس ولديه قابلية لاستقبال المزيد من الأرجاس   .
 الميزان في تفسير القران  سيد محمد حسين مجلد9 ص41
3-  القلب المريض فيه قسوة:
يقول -تعالى-: "لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.." . الحج آيه 53.
.
مرض القلب عدم استقامة حاله في التعقل بأن لا يذعن بما من شأنه أن يذعن به من الحق، وهو الشك و الإرتياب. و قساوة القلب صلابته و غلظه مأخوذ من الحجر القاسي أي الصلب. و صلابته بطلان عواطفه الرقيقة المعينة في إدراك المعاني الحقة كالخشوع والرحمة والتواضع والمحبة، فالقلب المريض سريع التصور للحق بطي‏ء الإذعان به، و القلب القسي بطيئهما معا، و كلاهما سريع القبول للوساوس الشيطانية .  الميزان في تفسير القرآن العلامة الطباطبائي ج23 ص 241.
, وبالتالي فالقسوة هي الاصرار على الجهل ظاهرا وباطنا. وهذا مايلحظ على الذي عنده مرض في قلبه. فالقسوة سمة أخرى للقلب المريض التي أردفها القرآن في سياقه "فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ". (القاسية) معطوف على الموصول (الذين) بالواو، و(قلوبهم) فاعل لاسم الفاعل (القاسية)، مرفوع .
 الجدول في إعراب القرآن صافي محمود عبد الرحيم.
؛ لأن تعريف العطف هو الاسم أو الفعل المتبوع لاشتراك غيره معه في الحكم .

4-  القلب المريض يميل إلى الرجف و الفحشاء:
"فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.. "   الميزان في تفسير القرآن، ج‏16، ص: 309
، بعدما بين علو منزلتهن (أي نساء الرسول الأكرم-ص-) و رفعة قدرهن لمكانهن من النبي – ص- وشرط في ذلك التقوى فبين أن فضيلتهن بالتقوى لا بالاتصال بالنبي –ص-، نهاهن عن الخضوع في القول و هو ترقيق الكلام و تليينه مع الرجال بحيث يدعو إلى الريبة و إثارة الشهوة فيطمع الذي في قلبه مرض و هو فقدان قوة الإيمان التي تردعه عن الميل إلى الفحشاء . الأحزاب آية 32
"لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِم.."   .   الأحزاب آية 60
وعن قتادة رضى الله عنه في معنى الآية قال: "الإرجاف الكذب الذي كان يذيعه أهل النفاق و يقولون: قد أتاكم عدد و عدة. و ذكر لنا: إن المنافقين أرادوا ان يظهروا ما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله بهذه الأية... أظهروا النفاق" .
الدر المنثور ج5 ص222 جلال الدين السيوطي
. فالذي في قلبه مرض لديه فضول مفرط، وهمه هو إثارة القلاقل وزرع الشكوك فقط لإرضاء مصالح شخصية تعود لمرض في قلبه كما جاء في تفسير ضلال القرآن، ومرضى القلوب و المرجفون: الذين ينشرون الشائعات المزلزلة في صفوف الجماعة المسلمة .   في ظلال القرآن ج5 ص2880
. وفعلا، هذا ما تعانيه اليوم الأمة الإسلامية من إثارة الفتن والشبهات.
5-  القلب المريض فيه حقد:

"أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ" قال الراغب: الضغن- بكسر الضاد- والضغن- بضمها- الحقد الشديد وجمعه أضغان انتهى.
إذا نظرنا إلى الحقد وجدناه يتألف من: بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه. فالحقد إذاً هو إضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه، لذا أردفه القرآن ضمن القلب المريض فسبقت كلمة (أضغانهم) المرضُ لأن القلب المريض هو القالب الذي يحتوي الحقد وليس القلب السليم أوالقلب المنير.
إذا هناك القلب السليم وهو أطهر القلوب، والقلب المنير وهو بين الزلل والتوبه فهو كالنفس اللوامة، وهناك القلب المريض وقد سلف ذكره.
ونحن كأفراد يجب أن نمتحن أنفسنا أي قلوبنا. هل نمتلك السليم منها أو المنير؟ أم المريض -أعاذنا الله منه-؟ فالإنسان لايملك إلا أن يملك قلبا واحدا، فلا يمكنه أن يمتلك قلبين اثنين في آن واحد "ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ"
 الأحزاب آية 33
، وهذا كناية عن امتناع الجمع بين المتنافيين في الاعتقاد؛ فإن القلب الواحد -أي النفس- الواحدة لا يسع اعتقادين متنافيين ورأيين متناقضين. فإن كان هناك متنافيان فهما لقلبين و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. "فالرجل الواحد لا يسعه أن يعتقد المتنافيين و يصدق بالمتناقضين ..
 الميزان في تفسيرالقرآن ج16ص274
. فإما أن يكون الإنسان سويا أم مريضا، ولا يصح كلاهما. ولا بأس أن يراجع المرء نفسه ويحاول أن يمتلك قلبا سليما؛ فالقلب السليم هو أطهر القلوب التي تلقى الله دون خزي "ولا تخزني يوم يبعثون يوم لاينفع لامال ولا بنون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم" الشعراء آيه 89
15- القلب اللاهي. قال تعالى: ﴿ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الأنبياء: 3].
يقول تعالى ذكره ( لاهية قلوبهم ) غافلة : يقول : ما يستمع هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم هذا القرآن إلا وهم يلعبون غافلة عنه قلوبهم ، لا يتدبرون حكمه ولا يتفكرون فيما أودعه الله من الحجج عليهم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( لاهية قلوبهم ) يقول : غافلة قلوبهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي وأحمد، وحسنه الألباني.
وظاهر هذا الحديث أن اللهو المذكور وصفٌ للقلب أثناء الدعاء، ولذلك يستدل أهل العلم بهذا الحديث على اشتراط حضور القلب حال الدعاء ليستجاب، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: ومن أعظم شرائطه: حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى، كما خرجه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه. اهـ.
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا. اهـ.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: أي: كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون بها الإجابة من إتيان المعروف، واجتناب المنكر، ورعاية شروط الدعاء؛ كحضور القلب... اهـ.
وقال المناوي في فيض القدير: أي لا يعبأ بسؤال سائل غافل عن الحضور مع مولاه، مشغوف بما أهمه من دنياه... والتيقظ والجد في الدعاء من أعظم آدابه، قال الإمام الرازي: أجمعت الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر، قال: وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة ولا بحالة مخصوصة. اهـ.
تفسير الميسر :
قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم، مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها، لا يعقلون ما فيه. بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيٍّ: وهو إشاعة ما يصدُّون به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم، لا يختلف عنهم في شيء، وأن ما جاء به من القرآن سحر، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه، وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟
16- القلب الزائغ هو القلب الذي يكون مائلاً عن الحق .
 قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾. الصف : 5
تدلّنا الآية الشريفة إلى أنّ اليهود لما عندهم من العناد واللجاجة قد آذوا نبيّهم موسى كليم الله حتّى آل الأمر بهم إلى انحراف قلوبهم وزيغها، وهذا شأن كلّ من يؤذي النبيّ، وبهذا أراد الله أن ينهى المؤمنين أن لا يؤذوا نبيّهم الأكرم محمّد  6 كما ورد ذلك في قوله تعالى  :
(إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) الأحزاب : 57.
وكما في قوله تعالى  : (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا) .  الأحزاب : 69.
فنهى الله المؤمنين أن لا يؤذوا النبيّ لا بقولهم ولا بعملهم ، فإنّه يؤدّي ذلک إلى انحراف قلوبهم وزيغها عن الاستقامة والصراط المستقيم ، ومن ثمّ يميلوا من الحقّ إلى الباطل ، ولمّـا زاغ القلب فإنّ مثل هذا القلب يحرم من الرحمة الإلهية ، ولا يصيب
الهداية الربّانية فأزاغ الله قلوبهم نتيجة أعمالهم من الإيذاء والفسق والفجور، فجزاء فسقهم أزاغ الله قلوبهم ، ولعنهم في الدنيا والآخرة ، وحرمهم من شمول رحمته ولطفه وهدايته ، فإنّما أضلّهم الله بفعلهم وانحرافهم  :
(يُضِلُّ بِهِ كَثِيرآ وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرآ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفَاسِقِينَ ) البقرة : 26.
فإنّ الله لا يضلّ أحدآ ابتداءً، فإنّ ذلک قبيح والله منزّه عن القبائح ، إنّما ضلال الله لمن ارتكب الفسوق والذنوب بسوء اختياره ، فزاغ عن طريق الحقّ وخرج ومال إلى طريق الباطل ، فأضلّه الله وأخزاه في الدنيا، وله في الآخرة عذاب عظيم .
وهناك علائم اُخرى لمن زاغ قلبه كما في قوله تعالى  :
(فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ ) . آل عمران : 7.
فإنّ كتاب الله الكريم لحكمة ربّانية فيه الآيات المحكمة والآيات المتشابهة ، فالمؤمن إنّما يسأل أهل الذكر في ما لا يعلم ، ويرجع إلى الراسخين في العلم ، ويأخذ بالمحكمات ، ويرجع إليها الآيات المتشابهات ، ويعتقد أنّ الكلّ من عند الله، أمّا من له قلب زائغ ومنحرف ، فإنّه يبتغي الفتنة وإشعال نار الحرب والشقاق بين المؤمنين ، فيتبع ما تشابه من الآيات الكريمة ويؤوّلها من أجل مصالحه الشخصية وابتغاء الفتنة ، وإنّما يفعل ذلک لأنّه لم يطمئنّ قلبه ، ولم يرسخ في العلم ، ولم يثبت على العمل الصالح .
وأمّا من آمن واطمأنّ قلبه ، وكان من الراسخين في العلم النافع والعمل الصالح ، وهداه الله، فإنّه يدعو ربّه  :
(رَبَّـنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَـنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إنَّکَ أنْتَ الوَهَّابُ ) . آل عمران : 8 .
فمن يتبع المتشابه في العمل بأن لا يرجعه إلى المحكم ، فإنّ الله قد ذمّ ذلک ، وأمّا من أرجع المتشابه إلى المحكم ، فإنّه يكون من المحكم ، ولا يعلم تأويله إلّا الراسخون في العلم ، فيدعون الله بأن لا تزاغ قلوبهم ، فإنّهم علموا أنّ القلب إثر الغفلة ربما ينحرف عن الصواب والحقّ ، وإنّما يملک الضرّ والنفع هو الله سبحانه وتعالى ، وإليه تصير الاُمور، فيخافون أنّه بعد رسوخهم في العلم ربما تنحرف قلوبهم وتزيغ عن الحقّ .
فمن عوامل انحراف القلب وزيغه إيذاء النبيّ كيف ما كان وبأيّ نحو قولا وعملا في حياته وبعد مماته ، فيه وفي أهل بيته كما قال النبيّ الأكرم في حقّ فاطمة الزهراء سيّدة النساء  3: «فاطمة بضعةٌ منّي من آذاها فقد آذاني »، (رواه الفريقان ). ثمّ من انحرف في الظاهر فقد انحرف في الباطن ، ومن زاغ قلبه ، فإنّه يعيش القلق والاضطراب ، فيحرّف الكلم عن مواضعها، ويؤوّل الآيات المتشابهات كيف ما شاء. وأمّا من رسخ في العلم والإيمان فإنّهم يدعون ربّهم  :
(رَبَّـنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَـنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ ) . آل عمران : 8.
17- القلب الآثم. قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283].
أداء الشهادة لإثبات حقّ إنّما هو واجب كفائي ، فإذا ترك الجميع فقد أثموا، وإن قام من به الكفاية فإنّه يسقط الوجوب عن الباقي ، فمن وجب عليه أداء الشهادة لو امتنع عن ذلك وكتمها فإنّه آثم قلبه ، أي يدلّ ذلک على أنّ قلبه قلب أثيم ومذنب ، والله يعلم بكلّ ذلك ، وبما يفعله الإنسان .
والآية وإن كان شأن نزولها في الدَّين ، على أنّ من علم بالدين عليه أن يشهد حتّى لا يضيع حقّ الدائن ، إلّا أنّ المورد لا يخصّص ، بل كلّ من يكتم حقّآ مهما كان ، فإنّ ذلك يدلّ على أنّ قلب الكاتم قلب آثم يمنع عن وصول الثواب والحقّ إلى أهله . وكلّ من كتم الحقّ سيبتعد عن الحقّ ، وأنّ الله هو الحقّ كما في قوله تعالى  : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ حَتَّى يَـتَـبَـيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ ) .  فصّلت : 53.
(فَـتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ ) .  طه : 114.
(ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ ) .  الحجّ : 6.
فالقلب الآثم هو القلب الذي يرتكب الذنب والمعصية والإثم ، الملازم لإتباع الهوى وطول الأجل ، المعبّر عنه بالرجس تارةً وبالرجز أخرى ، الموجب لضيق القلب وختمه ، ورين الصدر وطبعه ، وزيغ الروح وقفله ، لأنّ الذنب حجاب بين الإنسان المبتلى به وبين الحقّ الذي من أظهر مصاديقه القرآن الذي بالحقّ أنزله الله وبالحقّ نزل . والناقص لا يمسّ كرامة الكامل مادام ناقصآ.
18- القلب الغافل. قال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
من يختار الدنيا على الآخرة ، وينسى ربّه ، ويلهو عن الحقّ ، ويعمى قلبه ، لاختياره الذنوب وارتكابه الآثام والقبائح ، فإنّ الله يطبع على قلبه فلا يعقل ، وعلى سمعه فلا يسمع الحقّ ، وعلى بصره فلا يرى الحقّ ، وهو من الغافلين .
وعلى كلّ مؤمن بالله، ولا سيّما رسول الله  9، ومن كان وريثه كالعلماء الصلحاء، أن لا يطيع من كان له قلب غافل عن ذكر الله، ويتبع هواه ويتّخذه إلهآ، وكان أمره فُرطآ وتجاوزآ عن الحقّ .
(وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَآتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمْرُهُ فُرُطآ) . الكهف : 28.
فمن غفل عن الآخرة ، فإنّ بصره أعمى عن رؤيتها، واُذنه أصمّ عن سماع أمرها، وقلبه مختوم ومقفّل ومطبوع عليه ، فلا يعقل ما وراء الطبيعة من الحقائق والواقعيات ، إنّما همّه بطنه كالحيوان ، همّها علفها، بل أضلّ سبيلا، ومن كان همّه بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه .
والله إنّما ختم على قلبه وطبع على سمعه وبصره ، لأنّه باختياره أحبّ الدنيا
وعشقها، وترک الآخرة ونعيمها، وحبّ الدينار اُسّ كلّ خطيئة ، كما أنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، ومثل هذا يغفل عن الحقيقة ويجهل الواقع ، فيتيه في وادي الضلال والكفر، فلا يفكّر إلّا بالمادّيات والملاذّ والشهوات ، وينسى المعنويات وعبادة الله سبحانه . ومن كان بسوء اختياره كذلک فإنّ الله يُلقي الغفلة على قلبه ، فلا يتذكّر بذكر الله عزّ وجلّ ، ولا يحقّ للمؤمن أن يتبعه ويطيعه في أوامره (وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَآتَّبَعَ هَوَاهُ ) فإنّ اُميّة بن خلف كان يقول لنبيّ الإسلام محمّد  9 أن يبعد الفقراء من حوله حتّى يقرّب إليه الأغنياء والأشراف وصناديد قريش ، فكان قلبه غافلا عن الحقّ ، فأمر الله رسوله الأكرم  9، أن لا يطيع من أغفل قلبه عن ذكر الله واتّبع هواه وأفرط وأسرف في حياته ، ومن غفل عن ذكر الله فإنّه لا محالة يتبع هوى نفسه ورغباته وميوله ، فكيف مثل هذا الضالّ المضلّ يُتّبع ويُطاع ؟!
(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُـتَكَـبِّرٍ جَبَّارٍ)  غافر : 35.
(كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ ) .  يونس : 74.
(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) .  الروم : 59.
(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الكَافِرِينَ ) . الأعراف : 101.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطابع معلّق بقائمة العرش ، فإذا انتهكت الحرمة وعمل بالمعاصي واجترئ على الله، بعث الله الطابع فيطبع الله على قلبه ، فلا يعقل بعد ذلك شيئآ . كنز العمّـال : الخبر 10213.
وقال : إيّاكم واستشعار الطمع فإنّه يشوب القلب شدّة الحرص ، ويختم على القلوب بطابع حبّ الدنيا .  البحار :77 182.
وفي واقعة الطفّ الأليمة ، يوم العاشر من محرّم الحرام سنة (61) هجرية في كربلاء، لمّـا عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الإمام الحسين بن عليّ  وأحاطوا به من كلّ جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج  حتّى أتى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم : ويلكم ، ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي ، وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، وكلّكم عاصٍ لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ) .  البحار :45 8.
وهذا يعني بوضوح أنّ من ملأ بطنه من لقمة الحرام ، فإنّه يطبع على قلبه ، فلا يستمع إلى كلام الحقّ ، وإلى من أراد هدايته وإرشاده إلى صوابه ، فلا يعقل بعد ذلک شيئآ، نتيجة اجترائه على الله عزّ وجلّ ، وعمله بالمعاصي وانتهاك الحُرم الإلهية ، فيكون طمّاعآ حريصآ بحبّ الدنيا، فيتكبّر ويتجبّر ويتعدّى على حدود الله، ويعتدي على الآخرين فيكفر بالله وبنعمه ، ولا يعلم ، وهذه جملة من صفات القلب الغافل كما تشير إليها الآيات والروايات الشريفة .

19- القلب الأعمى. قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾.
 ليس الأعمى من لا يرى...وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بالحق الذي  يراه ولا يتدبر الموعظة التي أمامه ...فكم من بصير يرى بعينيه ولكن قلبه لا يرى شيئا ، وكم من أعمى البصر ولكن قلبه يرى الحق  !!

كل أصحاب العقول و كل ذوي الأبصار يرون الحق فيتبعونه ،  ويعرفون أهله فينضمون إليهم ،   أما الذين طمس الله علي قلوبهم فهم يسيرون بلا وعي أو إدراك   "  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ "( الحج :64)  

نعم  " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور" ( الحج : 46) "  نعمة البصر ...من أعظم النعم ، فلنحمد الله عليها في سجودنا اليوم وكل يوم  .....
جاء الصحابي الجليل  عبد الله ابن  أم مكتوم   الى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عبدالله أعمى فاقد البصر فقال يارسول الله  لقد نزلت آية أحزنت قلبي ؟ فقال ما هي يا عبد الله قال : " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا "  يا رسول الله لقد رضيت بالعمى في الدنيا والدنيا فانية ولكن لا أطيق العمى  يوم القيامة حيث لا فناء فنزل قوله تعالى "  فإنها  لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " وعندئذ قال الرسول  صلى الله عليه وسلم يا عبدالله يا ابن أم مكتوم انك  ستكون اول من  ينظر الى ذات الله يوم القيامة 

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاية ..
وقوله:" أفلم يسيروا في الأرض"  أي بأبدانهم وبفكرهم أيضاً ، وذلك للاعتبار أي انظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال، " فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها"  أي فيعتبرون بها " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"  أي ليس العمى عمى البصر وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر أ.هـ إذاً .. ما لفرق بين البصر والبصيرة ؟ إذا كان القلب هو مصدر الإبصار فما هي مهمة العينين والعقل الذي إذا اختل أصيب الإنسان بالغيبوبة وربما الوفاة الدماغية ؟

يقول مجاهد : لكل عين أربع أعين .. يعني لكل إنسان أربع أعين .. عينان في رأسه لدنياه .. وعينان في قلبه لآخرته .. فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا..!!

الذين طمس الله علي قلوبهم  يعرفون الحق ويحابون الباطل ، يعلمون الحقيقة ويخفونها  لمصالح شخصية ونزوات وقتية ونزعات دنيوية  ،  فيشهدون الزور ويعملون السوء ويقترفون الإثم ، مما يؤدي إلي انتشار الفساد وتخريب البلاد وظلم العباد ، وفي الحقيقة أعمي البصيرة لا يلومن إلا نفسه بعد ذلك " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير "
( الملك : 10-11) .
 لذلك البصر مختلف كلياً عن البصيرة التي هي أساسها القلب ولو كان الرجل أعمى وصلحت بصيرته لما ضره ذلك شيئا !!
والذين يرون الحق في الدنيا ويتبعونه سيرون الحق في الآخرة  والحق اسم الله  كيف ؟ : قول النبي  : إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ  ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ :
"  لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ "( يونس : 26)
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]  
العمي ليس عمي الأبصار وإنما هو عمي القلوب ، ولقد زرت اليمن ( بلد الإيمان والحكمة ) في منتصف التسعينات وهي حبيبة إلي قلبي وأهلها كذلك خاصة أهل ريمة وخاصة عزلة بني عبد العزيز ،  رأيتهم يلقبون رجل كفيف بالبصير ، نعم النظر الحقيقي الرائع  ، الأجمل والأفضل لأصحاب البصيرة  يوم القيامة قال تعالى :"  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة "(  القيامة : 22/23 ) .
20- القلب الغليظ وهو الذي نُزعت منه الرأفة والرحمة .
 قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].
رحمة الله شملت الأنبياء والأولياء ومن يحذو حذوهم ، وخاتم النبيّين محمّد  صلى الله عليه وسلم ، برحمة من الله أتحف بقلب رءوف وليّن ، لأنّ القائد المصلح لو كان فظّاً وغليظ القلب فإنّ الرعيّة تفرّ منه وتنفضّ من حوله ، بل عليه أن يعفو عمّن أساء إليه ، إذ الإساءة إنّما كانت من جهله ، ثمّ يستغفر الله له ، بل ويشاركه في أموره فيشاوره ، وكأنّما يعطيه شخصيّة اجتماعية بأن يجلس مع القائد ليتشاور في الأمور، ولكن إذا عزم القائد على أمر وبتّ فيه وجزم بعدما شاورهم وأخذ الأصوب منهم ، فعليه أن يتوكّل على الله ويقدم على العمل ، وإنّ الله يحبّ المتوكّلين فيهديهم إلى ما فيه الخير والصلاح .
ثمّ كان الخطاب مع المسلمين بأنّ الله جعل نبيّه رحيم القلب وليّن الكلام ، وأمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم في الأمر، إلّا أنّ الخطاب توجّه إلى النبيّ الأكرم  صلوات ربى وسلامه عليه لأنّهم عند قتل أحبّائهم نسبوا ذلک إلى النبيّ فآذوه في الكلام ، فأعرض الله عنهم وخاطب نبيّه ، بأنّه إذا كان حالهم يشبه ما يفعله الكافرون ، وتحسّرهم على قتلاهم ، فبرحمة منّا لنت لهم ، وإلّا لانفضّوا من حولك .
فمن كان فظّآ وخشن الكلام وكريه الخلق وغليظ القلب بلا رحمة ولا شفقة ، فإنّ الناس يبتعدون منه وينفضّوا من حوله ، ويبقى وحيدآ في حياته الاجتماعية ، والمؤمن إنّما هو إلف مألوف ، هشّ بشّ ، بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، فالناس يحبّونه وينصرونه ، وكان النبيّ الأكرم  صلى الله عليه وسلم اُسوة حسنة وقدوة صالحة في مثل هذه الأخلاق الطيّبة  :
(وَإنَّكَ لَعَلى خُـلُقٍ عَـظِيمٍ ) القلم : 4 .
21- القلب المفرَّق. قال تعالى:
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾.
( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) يعني تحسبهم في صورتهم مجتمعين على الألفة والمحبة ، أما قلوبهم فشتى ؛ لأن كل أحد منهم على مذهب آخر ، وبينهم عداوة شديدة .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) قال: المنافقون يخالف دينهم دين النضير.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) قال: هم المنافقون وأهل الكتاب.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، مثل ذلك.
حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) قال: المشركون وأهل الكتاب.
وذُكر أنها في قراءة عبد الله ( وقلوبهم أشتُّ ) بمعنى: أشدّ تشتتًا: أي أشدّ اختلافًا.
(( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى )) أي: تظنهم مجتمعين لاتفاقهم في الظاهر، والحال أن قلوبهم متفرقة لاختلاف مقاصدها، وتجاذب أدوائها، وتفرقها عن الحق بالباطل، فأهل الباطل تفرقهم الأهواء شتى، وآية ذلك: أن المدعو شارون حينما دعا إلى حكومة وحدة وطنية ويسمونها حكومة طوائف رفض ذلك زعيم المعارضة باراك ، وتتكلم الأحزاب اليهودية الآن وتقول: لا يُعقل أن نقعد معهم! فلا يمكن أن يجتمع هؤلاء أبداً مع بعضهم في ساعة واحدة، وذلك من شدة العداوة التي بينهم,و قوله (( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ))، فالذي يجمع ويوحد هي وحدة العقيدة، وعلل الله سبب تفرقهم بقوله: (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ))، فمتى ما تخلف العقل والحكمة وجد التفرق، فدل هذا على أن الذين يتفرقون هم قوم لا يعقلون. فمعنى قوله: (( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى )) أي: تظنهم مجتمعين لاتفاقهم في الظاهر، والحال أن قلوبهم متفرقة؛ لاختلاف مقاصدها، وتجاذب دواعيها، وتفرقها عن الحق بالباطل، (( ذَلِكَ )) أي: ذلك الاجتماع في الظاهر مع افتراق البواطن (( بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ )) أي: أن ذلك يوجب جبنهم المفضي إلى الهلاك الكلي , وانظروا إلى الحزب المسمى: بحزب الله، فعلى الرغم من اختلافنا معهم في أمور كثيرة الا أنهم أجبروهم على الخروج من الجنوب اللبناني بدون مقابل، وبدون أي اشتراط، ،فسبحان مالك الملك والملكوت لا اله الا هو العزيز الحكيم.
22- القلب المحسور عليه، أي: عليه حسرة. قال تعالى:
﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 156].
 فمن هذه الحسرات "أجاركم الله من الحسرات": الحسرةُ على أعمالٍ صالحةٍ: شابتها الشوائبُ وكدرتها مُبطلاتُ الأعمالِ من رياءٍ وعُجبٍ ومنةٍ، فضاعت وصارت هباءً منثورا، في وقتٍ الإنسانُ فيهِ أشدُ ما يكونُ إلى حسنةٍ واحدةٍ:
﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]
﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الزمر: 48]
الفضل عند الله ليس بصورة الأعمال بل بحقائق الإيمان. القصد وجه الله بالأقوال والطاعات والشكران. بذاك ينجو العبد من حسراته، ويصير حقا عابد الرحمن.
الحسرةُ على التفريطِ في طاعةِ الله: وتصرمِ العمرِ القصيرِ في اللهثِ وراء الدنيا حلالِها وحرامِها، والاغترارِ بزيفِها مع نسيانِ الآخرةِ وأهوالِها:
﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]
﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزمر: 57]
﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 58]
﴿ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر: 59].
الحسرةُ على التفريطِ في النفسِ والأهل: أن تقيَهم من عذاب جهنم، يوم تفقدَهم وتخسرَهم مع نفسُك بعد ما فتنتَ بهم، ذلك هو الخزيُ والخسار والحسرةُ والنار، حالك:
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15].
الحسرةُ على أعمالٍ صالحة: كان الأمل بعد اللهِ عليها، ولكنها ذهبت في ذلك اليومِ العصيب إلى من تعديت حدودَ اللهِ فيهم فظلمتَهم في مالٍ أو دمٍ أو عرض، فكنتَ مفلساً حقا:
﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111].
فيأخذُ هذا من حسناتِك وهذا من حسناتك، ثم تفنى الحسنات فيطرحُ عليك من سيئاتِ من ظلمتَهم ثم تطرحُ في النار.
حسرةُ جُلساءِ أهلِ السوء: يومَ انساقوا معهم يقودونَهم إلى الرذيلةِ، ويصدونَهم عن الفضيلةِ، إنها لحسرةُ عظيمةٌ في يومِ الحسرة يعبرون عنها بعضِ الأيدي يومَ لا ينفعُ عضُ الأيدي كما قال ربي:
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 27]
﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ الفرقان : 28
﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ الفرقان : 29
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ *وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167].
ومن أعظم المشاهد حسرة في يوم القيامة يوم يكفر الظالمون بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا محتجين ومتبرئين فذلك قول الله: ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 38، 39].
فيا حسرة الظلمة وأعوانهم حين يعلمون فداحة جريمتهم في تنفيذ رغبات الظالمين، لكن حيث لا ينفعهم علم العالمين، وعندها لسادتهم يقولون: ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ ﴾ [غافر: 47]؟
 فإذا بالسادة أذلة قد عنت وجوههم للحي القيوم لا يملكون لأنفسهم شيئا ولا يستطيعون يقولون:
﴿ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾[غافر: 48].
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [العنكبوت: 12، 13].
فالعقلاء بمقولتهم لا يغترون، وإن فعلوا فأنهم يوم إذ في العذاب والحسرة مشتركون.
وهنا يأتي حادي الغواة، وهاتف الغواية يخطب خطبته الشيطانية القاصمة يصبها على أوليائه:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22].
طعنةٌ أليمةٌ نافذةٌ لا يملكونَ أن يردوها عليه، وقد قضي الأمر وفات الأوان: ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ [إبراهيم: 22].
ثم يأنبهم على أن أطاعوه: ﴿ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [إبراهيم: 22].
 نفض يده منهم وهو الذي وعدهم ومنّاهم ووسوس لهم.
فيا للحسرة والندم. الحسرةُ على أموالٍ جمعت من وجوه الحرام: رباً ورشِوةٍ وغشٍ غصب وسرقةٍ واحتيالٍ وغيرِها. فيا لله أي حسرةٍ أكبر على امرؤٍ يؤتيه اللهُ مالاً في الدنيا، فيعملُ فيه بمعصيةِ الله، فيرثَه غيرَه فيعملُ فيه بطاعةِ الله، فيكونُ وزره عليه وأجرُه لغيره.
ويا لحسرة وندامة أولئك العاملين على نشر المفاسد سواء عبر القنوات أو تسجيلات الغناء أو المجلات أو غير ذلك من وسائل نشر هذه المفاسد يا حسرتهم يوم يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم،  فيا عباد الله أتدري يا من أرسلت لصديقك أغنية عبر الجوال أتدري إلى كم قد وصلت من الأشخاص،  كلا لا تدري فربما قد وصلت إلى المئات بل إلى الآلاف وأنت لا تدري فهل تفكرت أنك ستأتي يوم القيامة بأوزارك وأوزار هؤلاء معك. فو الله لتتحسر وتتندم حين لا ينفع الندم.
وأي حسرة أكبر على امرِئٍ أن يرى عبدا كان الله ملّكه إياه في الدنيا يرى في نفسه أنه خيراً من هذا العبد، فإذا هذا العبد عند الله أفضل منه يوم القيامة.
أي حسرة أكبر على امرؤ أن يرى عبدا مكفوف البصر في الدنيا قد فتح الله له عن بصره يوم القيامة وقد عميَ هو، إن تلك الحسرة لعظيمة عظيمة.
أي حسرة أكبر على امرؤ علم علما ثم ضيعه ولم يعمل به فشقيَ به، وعمل به من تعلمه منه فنجى به.
أما الحسرةُ الكبرى فهي: عندما يرى أهلَ النار أهلَ الجنةِ وقد فازوا برضوانِ الله والنعيم المقيم وهم يقولون:
﴿ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ﴾ [الأعراف: 44]؟ 
﴿ قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44].
وحسرة أعظم: يومَ ينادي أهلُ النار أهل الجنةِ: ﴿ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50].
وحسرة أجل: حين ينادي أهلُ النارِ مالكاً خازن النار: ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف: 77، 78].
ومنتهى الحسرة : حين ينادون ربَهم عز وجل وتبارك وتقدس: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 107].
فيُجبَهم بعد مـدة: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾
[المؤمنون: 108].
طال الزفيرُ فلم يُرحم تضرُعهم هيهاتَ لا رقة تغني ولا جزعُ.
فيا حسرة العاصي وندامته يوم يموت على عصيانه ، 
يا حسرته يوم يرى مقعده،  يا حسرته يوم يأخذ كتابه بشماله ويرى غيره يأخذ كتابه بيمينه،  يا حسرته يوم يُساقُ مع المجرمين إلى النار ويرى المؤمنين يساقون إلى الجنة،  فوالله ليتحسر ويتحسر على ما فرط،  ليتحسر على كل صلاة أضاعها،  ليتحسر على كل يوم لم يصمه،  ليتحسر على زكاة منعها،  ليتحسر على كل ساعة أضاعها لم يذكر الله فيها.
فيا حسرة المقصرين. ويا خجلة العاصين. لذات تمرٌ وتبعاتٌ تبقى. تريدون نيل الشهواتِ والحصولَ في الآخرةِ على الدرجات.
23- القلب المرتاب. قال تعالى: ﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾.
القلب المرتاب: حائر متشكك في أمر دينه وآخرته.. فهو في شك دائم وحيرة.
قلب متشكك منزعج قلق غير مستقر ، متردد مشمئز .
. أكد الشيخ رمضان عبد المعز الداعية الإسلامي، ان "الريب" من صفات القلب المريض، مشيرا الى ان الغزوة الأخيرة التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم كانت غزوة تبوك وكان تعداد جيشه 30 الف مقاتل وسمي جيش العسرة ومدة هذه الغزوة 50 يوما أكل خلالها الصحابة أوراق الشجر حتى تورمت شفاههم .
وأضاف خلال برنامج " كلام الطيب " المذاع على فضائية "ten" أن النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الغزوة طلب خروج الجميع للغزوة لقوله تعالى :
 لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) ۞ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
سورة التوبة : 44- 47
وأشار عبد المعز إلى أن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر وقلوبهم سليمة لن يقولوا للرسول عليه الصلاة والسلام نستأذنك في الخروج للجهاد . بل يجب أن يقولوا نريد الجهاد معك يا رسول الله في سبيل فالفريق الأول قلوبهم بهم ريبة وليس عازمة على فعل الخير أما القلوب السليمة تقبل على فعل الخير بقوة وتطلب ذلك بكل قوة . 
واستدل الداعية الإسلامي على ذلك بأن تقول لشخص ما   
هيا لنزور مريض ما فتجده يتقاعس ويتراجع ويؤجل ويسوف فهذا قلبه مرتاب .
24- القلب المنافق. قال تعالى:  
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأعْقَبَهُمْ نِفَاقآ فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) . التوبة : 76 ـ 77.
إذا عاهد الإنسان ربّه فعليه أن لا يخلف عهده ووعده ، وإذا تفضّل الله على عبد فضلا فلا يبخل به ، ولا يعرض عنه ويتولّى ، فإنّ ذلك من علائم النفاق في القلوب ، فمن بخل عمّـا تفضّل الله عليه ، فإنّه يصاب بنفاق القلب ويدوم معه حتّى يوم القيامة ، يوم يلقى الله سبحانه ، فإنّه تخلّف عمّـا وعد الله به وكذب بذلك ، فخُلف الوعد والكذب من النفاق كما ورد في الخبر الشريف : للمنافق ثلاث علامات وإن صلّى وصام : إذا حدّث كذب ، وإذا أوعد أخلف ، وإذا ائتُمن خان ، وإذا كان مؤمنآ ويرتكب هذه الذنوب فهو منافق في العمل ، ويقابل النفاق العملي النفاق في العقيدة .
ثمّ ربما يعرض النفاق بعد الإيمان كما يعرض الكفر والارتداد، كما في قوله تعالى  : (أنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ) .  الروم : 10.
والآية الاُولى نزلت في ثعلبة عندما طلب من النبيّ أن يدعو الله له بالمال ، ووعد النبيّ أن يؤدّي حقّه ، ولمّـا صار له المال الكثير والأغنام حتّى خرج من المدينة لرعيها، ولم يتوفّق لحضور صلاة الجماعة والجمعة ، وبعث النبيّ جابيآ لأخذ الزكاة منه ، فبخل عن ذلك ، فنزلت الآية الشريفة .  الميزان :9 473.
فالبخل علامة النفاق وكذلك خلف الوعد والكذب وتكذيب الآيات الإلهية ولو في الباطن .
فالمنافق يقول بفيه ولسانه ما ليس في قلبه وصدره ، كما في قوله تعالى  :
(سَيَـقُولُ لَكَ المُخَلَّـفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَـلَـتْنَا أمْوَالُـنَا وَأهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَـنَا يَـقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُـلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَـكُمْ مِنَ اللهِ شَيْـئآ) . الفتح : 11.
الأعراب اسم جمع لا مفرد له ، وهم من يسكنون البوادي ، سواء كان من العرب أو من العجم ، فلا يطلق على الحضري ومن يسكن المدائن . فهؤلاء لم يحضروا ساحات الحرب والوغى ، ولمّـا رجع النبيّ  صلوات ربى وسلامه عليه من القتال والجهاد أخذوا يعتذرون له بأنّ أموالنا وأهلنا حيث لم يكن لهم قيّمآ وراعيآ شغلتنا عن حضور الجهاد، إلّا أنّ اُولئك يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فهم يكذبون ، ما لهم كيف يحكمون ، فمن يملك لهم من الله شيئآ إذا أراد بهم ضرّآ. وإنّما قالوا استغفر لنا، فإنّهم يعلمون أنّ ترك الجهاد ذنب ، وحبّ الأولاد والمال لا يمنع من الجهاد، إلّا أنّهم لم يصدقوا في مقالتهم هذه ، وإنّما قالوا ذلك ليستروا على فعلهم القبيح والشنيع . فهم من المنافقين ، ولا يقبل منهم الأعذار الواهية ، ولا ينفعهم الدعاء، وإنّما الخير والضرّ والحياة والممات بيد الله سبحانه .
قال جلّ جلاله  :
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ يَقُولُونَ بِأفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) .  آل عمران : 167.
إنّ الله أمر المؤمنين أن يجاهدوا في سبيل الله وإقامة دينه ، وخاطب المنافقين أن يقاتلوا في سبيل الله، أو يدافعوا عن عرضهم ومالهم إن لم يجاهدوا في سبيل الله، فيقولون كلامآ فارغآ لا يتجاوز ألسنتهم وأفواههم ، فيقولون ما ليس في قلوبهم ، وقد غفلوا أنّ الله عليمٌ بذات الصدور وما في قلوبهم ، فهؤلاء يومئذٍ للكفر أقرب من الإيمان .
فكلّ من يقول بلسانه من الحقّ ما لا يعتقده بقلبه فهو منافق ، ثمّ يحاول أن يزيّن عمله تمسّكآ بأعذار واهية وكلمات فارغة وحجج ركيكة ، فليس له إلّا الخزي والعذاب .
قال الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه :
" حبّ المال والشرف ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل "  . بحر المعارف : 535.
عن أبي عبد الله  رضى الله تعالى عنه وأرضاه ، قال : استماع اللهو والغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء الزرع . الوسائل :12 236.
فمن يستمع الأغاني والموسيقى سرعان ما يبتلى بالنفاق ، ولا يحمد عقباه ، ولا يختم له بالخير، بل من أعرض عن ذكر الله فإنّ له معيشة ضنكآ، واستماع اللهو والموسيقى والغناء ممّـا يميت القلب وينبت النفاق ، وبعد سنين يحصد الندم والضياع وعاقبة السوء.
25- القلب المصروف عنِ الحق. قال تعالى: ﴿ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾.
قال تعالى: {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} واحتج أصحابنا به على أنه تعالى صرفهم عن الإيمان وصدهم عنه وهو صحيح فيه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: عن كل رشد وخير وهدى، وقال الحسن: صرف الله قلوبهم وطبع عليها بكفرهم، وقال الزجاج: أضلهم الله تعالى، قالت المعتزلة: لو كان تعالى هو الذي صرفهم عن الإيمان فكيف قال: {أنى يُصْرَفُونَ} وكيف عاقبهم على الانصراف عن الإيمان؟ قال القاضي: ظاهر الآية يدل على أن هذا الصرف عقوبة لهم على انصرافهم، والصرف عن الإيمان لا يكون عقوبة، لأنه لو كان كذلك، لكان كما يجوز أن يأمر أنبياءه بإقامة الحدود، يجوز أن يأمرهم بصرف الناس عن الإيمان.
قوله تعالى: {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} دعاء عليهم؛ أي قولوا لهم هذا.
ويجوز أن يكون خبرًا عن صرفها عن الخير مجازاةً على فعلهم.
وهي كلمة يدعى بها؛ كقوله: {قَاتَلَهُمُ الله} والباء في قوله: {بِأَنَّهُمْ} صلة لـ {صرف}.
الثانية قال ابن عباس: يكره أن يقال انصرفنا من الصلاة؛ لأن قومًا انصرفوا فصرف الله قلوبهم، ولكن قولوا قضينا الصلاة؛ أسنده الطبريّ عنه.
قال ابن العربي: وهذا فيه نظر وما أظنه بصحيح؛ فإن نظام الكلام أن يقال: لا يقل أحد انصرفنا من الصلاة؛ فإن قومًا قيل فيهم: {ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم}.
أخبرنا محمد بن عبد الملك القَيْسِيّ الواعظ حدّثنا أبو الفضل الجوهري سماعًا منه يقول: كنا في جنازة فقال المنذر بها: انصرفوا رحمكم الله! فقال: لا يقل أحد انصرفوا فإن الله تعالى قال في قوم ذمهم: {ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} ولكن قولوا: انقلبوا رحمكم الله؛ فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء}
[آل عمران: 174].
الثالثة أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه صارف القلوب ومصرفها وقالبها ومقلّبها؛ ردًا على القدرية في اعتقادهم أن قلوب الخلق بأيديهم وجوارحهم بحُكمهم، يتصرفون بمشيئتهم ويحكمون بإرادتهم واختيارهم؛ ولذلك قال مالك فيما رواه عنه أشهب: ما أبين هذا في الرد على القدرية {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}.
وقوله عز وجل لنوح: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: 36] فهذا لا يكون أبدًا ولا يرجع ولا يزول. اهـ.
  فى الختام
فهذه جملة القلوب المذكورة في كتاب الله تعالى ، على كل واحد منا أن يتحسس قلبه، ويضعه في المكان المناسب ضمن هذه الأنواع، فإن وجد خيراً فليحمد الله، وإن وجد تقصيراً، فليجتهد في الارتقاء بقلبه إلى ما يرضي ربه .
 سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
** تمت بحمد الله وتوفيقــه  **


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق