عودة قابيل وهابيل
قصة قصيرة للأديب الشامل الشيخ محمد شرف
الدين الكراديسي
*******************
منذ أن خلق الله الكون وهناك صراعات دائمة بين قابيل وهابيل
، أو على الأصح بين الرجل وأخيه ، سواءً كانت هذه الصراعات على أرض أو عقار أو
أموال أو نساء ، المهم أن هذه الصراعات تنحصر فى صراعاتٍ دنيوية حقيرةٍ زائلة ،
فهذا هو طبع ابن أدم خُلق من طمع .
فأحمد شاب طيب رائع مدلل من قِبلِ أمه ، ولكنه يعرف الله
قائماً بواجباته تجاهه سبحانه ، يحترم أمه ويحبها حباً شديداً وذلك بعد وفاة والده
، ولِمَ لا وهو الإبن الأصغر الذى كان مدللاً لديها .
أما عونى فهو الأخ الأكبر لأحمد ، ولكنه كان محباً لنفسه ، تائهاً بفكره ، شارداً بعقله ، يدعى
الجنون ، برغم أنه يزن كل الأمور بميزان حساس . تزوج أحمد من زوجة جميلة فائقة
الجمال ، فكان يعبدها ويطيعها فى كل ما تريد ، ولكنها كانت عصبية شديدة ، فتسببت
له فى مشاكل عديدة مع أخيه وأمه وزوجة أخيه .
وكانت تعامل أمه معاملة قاسية ، فكانت أمه تبكى دائماً
من تصرفات زوجته معها ، وكانت تشتكى لإبنها فلا يفعل شيئاً ، بسبب حبه الشديد
لزوجته وتعلقه بها تعلقاً شديداً .
وكان هذا الوضع لا يعجب أخاه الأكبر عونى ، فكان دائماً
ما يفتعل المشاكل مع أخيه وزوجته بسبب أمه .
ولكن ما زاد الطين بلةً أن زوجة عونى أيضاً هى وزوجة
أحمد كانتا فى عراك مستمر .
ففى ذات يوم قامت زوجة عونى بغسيل ملابسها وصعدت للدور
العلوى لتنشر هذه الملابس ، وعندما رأتها زوجة أحمد تفعل ذلك .. قامت على الفور هى
الأخرى بغسيل ملابسها ونشرها فى الدور السفلى .. وبعد ذلك ادعت أن ملابس زوجة عونى
يتساقط منها الماء على ملابسها ، فنادت على زوجة عونى وعاتبتها ونشب العراك بينهما
، والأم حائرة بينهما لا تستطيع أن تفعل شيئاً ، فقامت الأم بالإتصال على ابنيها
ليأتيا وينظرا الأمر ، ولما أتى الإبن الأكبر وجد أخاه الأصغر مع زوجته يقوم
بمصالحتها ويتودد لها لترضى عنه ، فتعصب عونى لذلك وعاتب أخاه ، فلم يلتفت إليه ،
فجرى عونى إلى المطبخ وأحضر سكيناً وقام بطعن أخاه عدة طعنات ، ولكنها كانت طعنات
نافذة قاضية أودت بحياة أخيه على الفور .
الأم فى ذهول .. عونى القاتل يبكى ويقلب فى أخيه لا يصدق
ما فعله .. أحمد مدرجاً فى دمائه .. الزوجتان تنظران إلى بعضهما البعض وقد لجم
لسانهما .
قتل الأخ أخاه .. قتل قابيل هابيل .. قتل عونى أحمد .
ما أهونكِ وما أحقركِ أيتها الدنيا الفانية .
جاءت الشرطة وقامت بالقبض على القاتل ، والأم حائرة
تائهة باكية على ابنها المدرج فى دمائه وعلى ابنها الذى لا تعلم مصيره بعد ذلك ،
أيكون الإعدام أم المؤبد .
فى لحظة واحدة فقدت ولديها .. فى لحظة واحدة ذهبت زوجتى
ولديها إلى بيت أبيهما ذهاباً بلا عودة وكأن شيئاً لم يكن .. فى لحظة واحدة خرب
البيت وأصبحت وحيدة فيه لا يرد عليها أنفاسها أحد .
ولكن الأم تمالكت نفسها وفكرت وقالت .. ابنٌ من أبنائى
قُتل والأخر سيعدم .. أبداً لن يكون .. فباعت كل ما تملك وأحضرت محامٍ ليدافع عن
ابنها القاتل .. ومع كل أسف إدعى الإبن الأكبر الجنون وخرج من القضية كالشعرة من
العجين ، وعاش حياته وكأن شيئاً لم يكن .
وضاع الإبن الأصغر نتيجة عناد زوجته وتهور أخيه .
أما زوجة القتيل فلقد جاءها من يريد أن يتزوجها فوافقت
على الفور وبلا تردد وتزوجت وأنجبت .. فيا لعجب العجاب .
هكذا يكون دم ابن أدم رخيصاً ليس له ثمن وليس له قيمة .
ولكن لِمَ العجب فهذه هى الدنيا ... فهى زائلة غير باقية
، راحلة عن أهلها غير راضية ، فانية زائلة ، ماكرة ساحرة في حلالها حساب ، خادعة فاتنة
وفي حرامها شدة وعذاب ، عزها ذل وجدها هزل
وعمرانها خراب وسرورها حزن وعلوها سفل وحلوها مر وأملاكها فانية ، أولها عناء ووسطها
شقاء وأخرها فناء .
فاللهم إنا نسألك السلامة فى الدنيا والأخرة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق