من الحـــياة
مجموعة قصصية
الطبعة الأ ولي
الكتاب : مــــن
الــــحياة
المؤلف : محمد شرف
الدين الكراديسي
تصنيف الكتاب : مجموعة
قصصية
تصميم وإخراج فني: أحمد
عبد الكريم هيكل
المقاس:14ْْx20
رقم الإيداع
التجهيزات الفنية والطباعة
بدار مصر اليوم
للطباعة والنشر والتوزيع
إهـــــداء
عندما ماتت أيقنت بأن الحنان قد مات ، وبأن السعد قد فات
، وبأن الحب ولىّ وليس بآت .
فإلى من اختلط دمى بدمها .. إلى من كانت تسعد عندما
أتحرك فى بطنها .. إلى من كانت تخاف علىّ عندما كنت أحبو بجوارها .. إلى من كانت
تفرح لفرحى وتحزن لحزنى .. إلى من أدعو لها فى صلاتى .. إلى من أبكى لفراقها فى سجودى .. إلى أمى الغالية رحمها الله .
أهدى هذه المجموعة القصصية .
المؤلف
محمد شرف الدين الكراديسي
رؤى نقدية عن مجموعة
" من الحياة " القصصية
مبدع من بلادي
بقلم الأديب
: إبراهيم خليل إبراهيم عضو نقابة الصحفيين
وعضو اتحاد كتاب مصر والعرب.
" مقال نشر فى جريدة
عيون مصر "
تزخر مصر بالمواهب الأصيلة في شتى المجالات ، ومن
الذين جمعوا بين حفظ القرآن الكريم والخطابة والشعر والقصة والمسرحية الشيخ محمد
شرف الدين الكراديسي المولود في شهر ديسمبر عام 1968 بقرية كراديس مركز ديرب نجم
بمحافظة الشرقية ، ويرجع نسب والده (رحمه الله) إلى الإمام الحسين بن على بن أبى
طالب رضى الله عنه وأرضاه وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ويرجع نسب أمه (رحمها الله) إلى آل الجندي التركي العباسي والذي تصل جذوره إلى عبد
الله بن عباس بن عبد المطلب حبر الأمة وترجمان القرآن وابن عم رسول الله صل الله عليه وسلم
الشيخ محمد شرف حفظ القرآن الكريم وهو ابن ثمانية أعوام وكان يقرؤه في المناسبات بجانب
الابتهالات الدينية وحصل على شهادة معهد قراءات القرآن الكريم ومعهد إعداد الدعاة
الكائن بمدينة بنها عاصمة محافظة القليوبية.
حقق الشيخ محمد شرف المراكز الأولى ونال شهادات
تقديرية كثيرة في حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على مستوى الجمهورية
في المراحل الأولى من حياته ويعمل حاليا أخصائى نشاط فنى بوزارة الشباب والرياضة
وداعية إسلامي وباحث إسلامي في السيرة النبوية وخطيب بالمساجد الأهلية والأوقاف
ومحفظ للقرآن الكريم ويشارك في إلقاء الندوات والمحاضرات والأمسيات الدينية في
وزارتي الشباب والرياضة والأوقاف . وفي عام
2005 أجريت له عملية جراحية بحنجرته أوقفته عن قراءة القرآن الكريم والإبتهالات
ولذا إكتفى بالخطابة وكتابة المسرحية والقصة والشعر بالفصحى والعامية ويشارك في
المسابقات الأدبية وقد فاز بالعديد من الجوائز والتكريمات .
وعندما قرأت المجموعة
القصصية ( من الحياة ) للشيخ والأديب الشامل محمد شرف الدين رصدت قدرته الجميلة في
اللغة والعرض والحكي حيث نقل من الواقع الحياتي والبيئة المحيطة به لقطات حقيقية
وصاغها في قالب قصصي يقدم الكثير للمتلقي وهنا تكمن قيمة الموهبة الحقيقية وعظمة
من يحمل كتاب الله في قلبه ويتمسك بتطبيق تعاليمه ومن ثم يكون حامل القرآن كالنور
الذي يضيىء الظلمات .
أيضا عندما طالعت نتاجه الشعري
توقفت عند قصيدته (نظرت إليك ) وأذكر منها قوله نظرت إليك وكلى هموم ... كفاك المجيب لعبد دعاك عبدتك ربى فأنت الرحيم ... أراك غفوراً بلى لا سواك وقلبى أراه نداك بحق ... وهذا
لسانى بحق دعاك للشيخ
والأديب محمد شرف الدين أكثر من كتاب قيد الطبع ونذكر هنا على سبيل المثال: قطوف
دينية من هـــدى خـير البريــــــة ، رسالة الإسلام والدفاع عن خير الأنـــام ،
الحيوانات المباركة في القرآن الكريم . وعندما
تعاملت مع الشاب الشيخ محمد شرف لمست فيه الحكمة والعلم والموهبة وقد وجه طاقاته
الشابة لخدمة الإسلام والوطن ولذا عندما نتأمل أحاديث
خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم نجد هذا الحديث..عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا
ظل إلا ظله:إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا
عليه وتفرقا عليه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ،
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل دعته امرأة ذات
منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين ) أخرجه
البخاري ومسلم .(
نرجو من الأزهر الشريف
ووزارة الأوقاف الاستفادة بالشيخ محمد شرف وأمثاله في تحفيظ الأبناء الصغار كتاب
الله من خلال فتح كُتاب بكل قرية رئيسية مع الإشراف الكامل للأزهر وبذلك سوف نحفظ
كتاب الله وفي نفس الوقت نقدم للمجتمع الأجيال المستقيمة الفكر واللغة والسلوكيات
وعندما يشتد عودهم لايمكن لفكر منحرف أو تيار غريب أن يغزوهم وعندما نتأمل بداية
حياة كل من برز من الكُتاب والأدباء والمفكرين ورجال الدين سوف نجدهم جميعا قد
تعلموا وحفظوا القرآن الكريم في كُتاب القرية .
إن
ما أفرزته الأحداث المؤسفة في السنوات القليلة الماضية لشريحة تتاجر بالدين
وبعاطفة الشباب يستلزم من كل المخلصين ضرورة الاهتمام بمطلبنا فبناء الإنسان أصعب
من بناء ناطحة سحاب وقبل أن نترككم مع قصص الشيخ والأديب الشامل محمد
شرف الدين ابن كراديس التابعة لمركز ديرب نجم والمحافظة التي تضم جدودي ونخبة
كبيرة من العائلة والأهل والأصدقاء ألا وهى محافظة الشرقية نؤكد أن المجموعة
القصصية ( من الحياة ) هى بداية نهر مؤلفات وإبداعات الأخ العزيز محمد شرف الدين
الكراديسي هذا النهر الأصيل كما آصالة نهر النيل الخالد
الطبيعية التشكيلية
فى مجموعة " من الحياة "
للقاص محمد شرف الدين الكراديسي
بقلم الأديب / عبدالله مهدى
سكرتير عام فرع اتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء
الكلمة أمانة وتكتمل أمانتها إذا بعدت عن مواطن
الزيف والنفاق ، ونبعت من رؤية صادقة لكاتبها .
فكاتبنا هنا صادق الكلمة ولا يضع الكلمة إلا فى موضعها
وخصوصاً أنه داعية يدعو الناس من فوق خشبة المنبر ، ولذلك كان لزاماً
علىَّ أن أحتفى بعمله القصصى الأول " من الحياة " .... وحتى لا نخرج
بعيداً عن النصوص القصصية أود أن أؤكد على أن هذه
المجموعة القصصية " من الحياة " هى لوحة تشكيلية تجنح إلى تسجيل
الطبيعة تسجيلاً دقيقاً مثلما يفعل فنانى المدرسة الطبيعية فى لوحاتهم التشكيلية .
واسمحوا لى أن أنوه
على أن الفنان حينما يسجل واقعاً بألفاظه أو بريشته يمر بمرحلة اختيار ، وحينما
يلتئم وجدانياً مع مشهد معين أو مع حدث بعينه فى الطبيعة / الواقع يحاول أن يسلط
كاميراته اللفظية ( القاص ) أو خيوطه الفنية ( الفنان ) على هذا المشهد / الحدث
أملاً فى إبرازه وتعريته حتى يتجنب المتلقى مواطن الزلل ويتمسك بالقيم الرفيعة
ويمجدها .
فقد لبس القاص فى
مجموعته ثوب المصلح الذى يزيح الستار عن الواقع ويقدم ما به من خير وشر ، وعليك
أيها المتلقى أن تختار أى الطريقين تسلك كما ينجلى ذلك فى قصة " انحراف
" فأحمد طالب الطب يقع فى براثن رفقاء السوء وينحرف عن الطريق السوى .
ويبرز القاص حالة
التناقض والمفارقة فى المجتمع من خلال قصة
" سعيدة " وهى ليست بسعيدة فقد فقدت والدتها ووقعت فى براثن
مكائد زوجة الأب مما دفعها للهروب من هذا الجحيم بالزواج من شيخ كبير رضيت بالحياة
معه إلى أن تركها وحيدة تكابد فى الحياة بعد موته ، فالقصة تنتقل بالبطلة من
معاناة إلى معاناة .
ويتواصل القاص فى
تقديم مواعظه التى نكتشفها ببساطة مع قرائتنا لكل قصة فى المجموعة ، فكل قصة نخلص
من ورائها بقيمة أخلاقية .
فالأم الفقيرة وابنها القانع بما منحهما الله ، على
النقيض مع هذا الأب الغنى وابنه الشره الذى لا يرضى ولا يقنع بما منحه الله من غنى
وثراء فى قصة " ضحكت حتى بكت " .
ويؤكد الكاتب من
خلال ابداعاته القصصية على هدفه الوعظى والتوجيه المباشر من خلال قصص هذه المجموعة
، فيعلن القاص فى صراحة قصة عنونها ب " الخير والشر " وعليك أيها المتلقى
أن تختار أيهما تسلك
ولعلك عزيزى القارئ
حينما تتطلع على قصة " الضحايا الأربعة " تخلص إلى مدى فجاعة هذه القصة
/ الحادثة التى ألمت بالقرية جراء جريمة بشعة حدثت وذهب على إثرها أربعة ضحايا ،
والقاص نجح فى هذه القصة بتركيزه على المنمنمات الدقيقة جداً فى تلك الحادثة على
نحو ما يفعل أرباب الفن القصصى الكبار .
خلاصة القول أن
القاص / شرف فعل فى قصصه مثلما يفعل التشكيليين المغرمين بنقل مناظر طبيعية نقلاً
منمنماً
نتمنى له مزيداً من العطاء الإبداعى فى كافة
مناحى الإبداع .
الكراديسي الشيخ الواعظ والأديب
بقلم دكتور / أحمد الباسوسي
معالج
نفسي وكاتب
وعضو اتحاد كتاب مصر
الفنان
حينما ينتقل بالحكي من
فوق المنبر في صلاة الجمعة في الظهيرة ، أو الدروس الدينية المسائية ، إلى عالم
الحكي القصصي الإنساني بين صفحات الكتاب لا نتوقع تغيراً دراماتيكيا يفصل بين
الحالتين . ومع ذلك يظل رجل الدين المستنير ، والقاص الواعد محمد شرف الدين
الكراديسي قادراً على التوغل بصدق الواعظ المحنك ، وريشة الفنان الرقيق ، وصورة
الحكاء المميز في نسج حواديته وأبطاله بحرفية لافتة .
ومجموعته
القصصية الأولى وباكورة إنتاجه القصصي التي تتضمن تسعة حكايات يختلط فيها الواقع بالخيال تعكس
بصدق حال الكراديسي بين حكي الفنان الذي يحمل ريشته مصوراً ، مدققاً ، مشخصاً ،
وبين قلق الواعظ والمرشد إلى
الحكمة ، والهداية ، والتمسك بالأخلاق القويمة والقيم التقليدية التي نشأ عليها
الناس .
ويظل الصراع بين الخير والشر محوراً أساسيا
للصراع في تلك المجموعة التي تنتمى إلى نوع الأدب الديني ، أو الأدب الذي يجنح نحو
النزعة الدينية ويتميز بالرومانسية
في
تناول الواقع مع الجنوح بقوة في اتجاه الوعظ والإرشاد الذي
يتخذ شكلا منبرياً في بعض الأحيان .
كما يظهر تأثر الكراديسي بقوة بواقعه ، وكذلك بالتراجعات القيمية والأخلاقية
التي نجح في رصدها بلغة قصصية سردية شديدة الوضوح ، وشديدة الحنكة . وتظل قصة
" الضحايا الأربعة " .. التي تتصدر المجموعة القصصية إشارة بارزة
وتسجيلاً مهماً من قاص شاب حكاء وشيخ في نفس الوقت تعكس المدى الذي بلغه واقعنا الإجتماعي
من قبح قيمي وأخلاقي .
إن
الكراديسي في حكيه ترك لنا صدى مؤلم بحق تجسد في انهيار القيم والأخلاق ، والبؤس ،
والوحدة ، واختيار العيش في أحلام اليقظة ، وحكمة
الغنى
والفقر ، وأخيراً مأساة سعيدة المرأة المسحوقة على الدوام .
ومن
هنا نشهد أن الشيخ الكراديسي الذي تحول من منبره الضيق إلى القطاع الأوسع من البشر
يحكي لهم ، ربما لديه الكثير مما يريد أن يقوله لهم من فوق هذا المنبر الواسع .
الضحايا الأربعة
في ليلة ممطرة من ليالى الشتاء الطويلة
ذهب فاروق إلى خالته صابحة ليطمئن عليها لأنها كانت قد بلغت من الكبر عتيا
وطرق الباب فوجد امرأة جميلة فى ريعان شبابها هى التي تفتح له الباب فنظر إليها
متعجبا قائلا لها : مين حضرتك و فين خالتى ؟
فقالت له : أنا أحلام جارتها متجوزة مصطفى العرباوى من سنة أو اكتر .. انت
ما تعرفنيش ؟، فقال لها : مش فاكر ، لكن فين خالتى ؟ ، و هى بخير ولا لأ ؟
فقالت له : هى بخير والحمد لله ، اتفضل ادخل لها .
دخل فاروق ليطمئن على خالته فوجدها قد أعدت أكواباً من الشاى ، ونظرت إليه
بابتسامة عريضة وقالت له : تعالَ يا فاروق تعالَ اشرب معايا الشاى ، ثم نظرت إلى
أحلام وقالت لها : يا أحلام صُبى له كُباية
شاى ،
يا أحلام دا فاروق ابن أختي عنده 36 سنة ونفسه يتجوز لكن الظروف الصعبة
اللى بيمر بيها هو والشباب اللى زيه وكمان ظروف البلد مخلياه مش عارف يتجوز وكمان
خاطب البنت ايمان بنت عمك عزت من عيلة أبو إسماعيل اللي ساكنين في أول البلد ،
عارفاها يا أحلام ؟
أحلام : عارفاها ياخالتى هو أنا تايهه عنها ما إحنا كلنا ولاد بلد واحدة
... ثم تلتفت بلهفة إلى فاروق قائلة له : يامرحب يا أستاذ فاروق ، وتناوله كُوب
الشاى
فاروق :
يامرحب يا أحلام ، تعرفي يا أحلام إن أخر مرة شوفتك فيها كنتي لسة مفعوصة وصغيرة ،
وبعدين أنا ربنا بيحبنى إنى جيت دلوقتى علشان أشوف الوش السمح ده وكمان كنت محتاج
كُباية الشاى دى قوى علشان تدفِّينى الجو بره برد موت .
أحلام : أى خدمة يا سي فاروق
.. وتنظر إليه بإعجاب قائلة : ودلوقتى زى الأول ولا احلويت ؟
فاروق :
لا بسم الله ما شاء الله ، بس قوليلى إيه اللي خلاكى تتجوزي راجل كبير عنك كده ؟
أحلام :
النصيب بقى ياسي فاروق " مدعية
الكسوف ناظرة إلى الأرض عابثة بأصابعها في خصلات شعرها المتدلية على جبهتها
العريضة "
خالته
تتدارك الأمر قاطعة حديثهما سوياً قائلة له : بقول إيه يا فاروق
فاروق :
نعم ياخالتى فيه إيه " يرد عليها وهو وأحلام يتبادلان النظرات فى خلسة "
خالته :عملت إيه فى موضوع الشبكة والعروسة وتجهيز شقتك ؟
فاروق : والله ياخالتى الظروف صعبة خالص حتى الشركة اللى كنت شغال فيها بعد
ما خلصت دبلوم الصنايع صفِّت العمالة اللى فيها وخلت اللى متأمِّن عليهم ومتثبتين
علشان دخول الشتا و ادى إحنا قاعدين لا شغلة ولا مشغلة ومش عارف أعمل إيه .
خالته :
إنت أصلاً واد لعبى طول النهار عمال تلعب كورة ومش شايف مصلحتك على كل حال ربنا
يسهلك يا ابنى ويسعدك وإن شاء الله ربنا هيكرمك وهتتعدِّل وهتبقى زى الفل "
فينظر إليها فاروق وهو يهز برأسه صامتا "
" كل
هذا الحوار دار وأحلام جارة الحاجة صابحة تستمع إلى الحوار الذى يدور بينهما ، وتتوجه صابحة إلى
أحلام سائلة إياها "
صابحة :
بقول إيه يا أحلام .
أحلام
: نعم ياخالتى .
صابحة :
مش الحل الوحيد لفاروق إنه يسافر بره زى مصطفى زوجك .
أحلام : أه والله يا خالتى عندك حق بس الغربة وحشة هو في أحسن من إن الواحدة
تيجى أخر الليل وتلاقى جوزها جنبها يُرد عليها النفس .
صابحة : أكل العيش يا بنتي وبعدين مش جوزك باسطك ومخليكى مش عاوزة حاجة من
حد .
أحلام :
الحمد لله .
صابحة : بيبعت لكِ فلوس يا أحلام ؟
أحلام : الحمد لله ياخالتى بيبعت دا لسة باعت لي ورقتين دولار وبطانيتين وشوية
طلبات الأسبوع اللى فات حتى رضا الصغير ابنه اللى عنده 3 شهور مش ناسيه " وهى كاذبة فيما تقول "
صابحة :
ربنا يسعدك يا بنتي .... ثم تتجه إلى ابن أختها قائلة له : هو ده الحل يا فاروق
السفر ومفيش غيره هيحل مشاكلك كلها وهتقدر تتجوز وتجهز فرشك وبيتك .
"
ولكن فاروق سرحان فيما قالته أحلام بأن زوجها مصطفى أرسل لها ورقتين دولار وشوية
طلبات فقرر فى داخل نفسه أن يرجع لها آخر الليل ويداعبها ويأخذ منها الأموال
"
صابحة :
واد يا فاروق سرحان في إيه وما بتردش عليه ليه .
فاروق مبتسماً ابتسامة صفراء قائلاً : مفيش ياخالتى سرحان في الدنيا واللي
بيجرى فيها ، ياخالتى خليها على الله هو احنا لاقيين ناكل لما ندفع لعقد فى
السعودية شئ وشويَّات ؟
أحلام ناظرة إلى الحاجة صابحة قائلة لها : بعد إذنك ياخالتى هقوم بقى أنام
يادوب كده .
صابحة :
طيب ياحبيبتى تصبحي على خير .
أحلام :
وإنتى من أهله ياخالتى ... ثم توجه نظرها إلى فاروق قائلة له : تصبح على خير يا
أستاذ فاروق وابقي خلينا نشوفك .
فاروق :
وإنتى من أهله يا أم رضا ، مش اسم ابنك رضا برضه ؟
أحلام :
أيوة يا أخويه ، مش عاجبك ولا إيه " بدلع ودلال "
فاروق :
ازاى مش عاجبنى دا يعجب الباشا هو وأمه
أحلام تضحك ضحكة خليعة ثم تخرج ذاهبة إلى بيتها وهى
تتمايل في مشيتها ، ثم يجلس فاروق مع خالته بعض الوقت ثم يستأذن ويخرج ولكنه لم
يذهب إلى بيته بل ذهب ليقضى بقية الليلة مع أصحابه ، وجلس مع أصحابه بقية الليلة
وشربوا جميعاً كمية من البانجو والبيرة .
ودارت
برأسه فكرة وهى أن يذهب إلى أحلام
ليغازلها ويستولى على أموالها ليبدأ حياته ولا تفرق عنده إن كان من حلال أو
من حرام ، وعلى الفور قرر أن يترك أصحابه في الثانية صباحاً ويذهب إليها وبالفعل
وصل إلى البيت وتسلق السور الذي يحيط بحديقة منزل أحلام قاصداً أن يتسلق المنزل ويسقط بداخله وقد
فعل ودخل الحديقة ولكن من سوء حظه كانت
أحلام في هذه الليلة قد أحضرت أخواتها
ليبيتوا معها هذه الليلة رغم أن هذا الشئ
كان غير معتاد ، أحضرت أختها الصغرى شيماء التي كانت في الصف الثاني
الإبتدائى وأحضرت أخوها أحمد الذي كان في الصف الثالث الإعدادى .
وحينما
دخل فاروق إلى الحديقة تعثر في شئ فأحدث صوتاً فخرج إليه أحمد لينظر من بالخارج
وأخذ معه سكين المطبخ في يده ، وإذا به في وسط الظلام يرى فاروق ويتأكد أنه هو فقد
كان يعرفه جيداً لأن فاروق كان لاعب كرة مشهور بالقرية ، فتأكد فاروق من أن أحمد
رآه جيداً بل وعرفه فأسرع أحمد إليه مسرعاً وضربه ضربة بالسكين قي جانبه الأيمن
أسقطته أرضاً
وأخذ أحمد
يصرخ بصوت عالٍ قائلاً : فاروق حرامي .... فاروق حرامي .
وحينها
أيقن فاروق أنه سوف يُكشف أمره لا محالة ، ولكن فاروق عندما سقط على الأرض وجد
بجواره حديدة كبيرة فأخذها على الفور وهشم بها رأس أحمد فأسقطه قتيلاً ، وصرخ أحمد
صرخة مدوية استيقظت على أثرها أخته الصغرى شيماء فخرجت إلى الحديقة لترى ماذا يحدث
فرأت فاروق ورأت أحمد قتيلاً فصرخت وهربت وجرت إلى داخل البيت فجرى ورائها فحاولت
أن تهرب منه فلحق بها على السلم المؤدى للدور الثاني وضربها على رأسها ضربة شديدة
أودت بها قتيلة ، فصُرع فاروق ولم يكتفي بذلك ويهرب ولكنه دخل إلى حجرة نوم أحلام
فوجدها تغط في نوم عميق وبجوارها صغيرها
فأمسك بالسكين وأخذ يطعنها طعنات نافذة ومتعددة فماتت على الفور وإذا
بالطفل الصغير يستيقظ من صراخ أمه فيبكى بصوتٍ عالٍ فيطعنه عدة طعنات في عنقه
ليسكته وبالفعل أسكته إلى الأبد ، فصار الطفل وأمه يسبحان في بركة من الدماء ،
وهذه هي إرادة الله أن يُقتلوا جميعاً في وقت واحد ، وأخذ يفتش بعد ذلك في البيت
عن المال في كل مكان ولكن المسكينة كانت تكذب على خالته من سوء حظها حينما قالت
لها بأن زوجها أرسل لها ورقتي دولار وعدة هدايا ، فلم يجد فاروق شيئاً سوى مجموعة
أقمشة ستائر وعدة أشرطة كاسيت وحقيبة جلد صغيرة هاندباج
فأخذ بتعبئة هذه الأشياء بداخل الحقيبة وفر هارباً .
ووصل إلى بيته وإذا بوالده ما زال مستيقظاً فرأى حال ابنه ووجد ملابسه
ملطخة بالدماء فسأله عما حدث فقص على والده القصة فقال : إهدا يا فاروق اللي حصل
حصل . وأمره بأن يخلع تلك الملابس التي يرتديها ويحرقها في فرن الخبيز وأمره بل
ونهره وقال لسه حد فيهم عايش ؟ فقال : ما اعرفش فأعطاه والده منشاراً من حديد وقال
له اذهب مرة ثانية إليهم وخلص مهمتك و ما تسيبش وراك دليل ، وبالفعل ذهب فاروق
إليهم مرة ثانية فوجد أحمد وشيماء ما زال يخوران كما يخور الثور الذبيح فأجهز
عليهما وفصل رأسيهما عن جسدهما ودخل إلى حجرة أحلام فوجدها قد فارقت الحياة هي وصغيرها فاطمأن لذلك
ثم رجع إلى أبيه فأمره والده بأن يُخبئ هذه الحقيبة في مكان آمن عن أعين الناس .
فلقد كان
الأب رجلاً قواداً للنساء لشيخ البلد الذي يعمل عنده ولغيره فلم يكن عنده مروءة
ولا شهامة ولا نخوة فلم يغضب من ابنه على فعلته التي أودت بحياة أربعة أنفس بريئة
.
وفى
الصباح الباكر اكتشف الجيران هذه الحادثة الشنيعة التي هزت أرجاء هذه القرية
المسكينة والتي يكمل أهلها عشاءهم نوماً بل هزت
أرجاء المركز كله بل المحافظة بل الجمهورية بل اهتز لها قبل ذلك كله السماوات السبع
وتم
استدعاء الشرطة من قِبل شيخ البلد الذي يتولى منصب العمدة بعد وفاة العمدة لحين
إجراء انتخابات العمودية .
وإذا
بوالد فاروق يحكى لشيخ البلد القصة كاملة فلقد كان يعمل عنده وغير ذلك كانت تربطهم
صلة قرابة وغير ذلك يعمل قواداً للنساء له ولغيره فلقد كان هذا الرجل شيطاناً يمشى
على الأرض ، فقال له لا تتحرك من داخل الدوار وأحضر ابنك أيضاً إلى هنا فعندما
يكون أمام المحققين ويقدم لهم القهوة والشاي بنفسه فلن يشك فيه أحد ، واستجاب الأب
إلى طلبات سيده وأحضر ابنه وجلسا سوياً في دوار العمدة .
وتم
استدعاء رجال الأمن والتحقيقات وتم استخراج تصاريح الدفن بعد تشريح الجثث وتحركت
جنازة الأربعة مرة واحدة والعجيب أن فاروق ووالده ذهبا مع الناس إلى المقابر
وانتابت الكبير والصغير حالة من البكاء من أجل هؤلاء الأبرياء والعجيب في الأمر أن
فاروق كان يشارك الناس في البكاء وكان يحمل معهم في الجثث ، إنه لشئ عجيب .
وبدأ
التحقيق من خلال رجال الشرطة في دوار العمدة وبدأت الأسئلة تتناثر في أرجاء القرية
وفى كل مكان وكلها تدور حول شئ واحد ألا
وهو : من القاتل ؟؟!! ، من القاتل ؟؟!!
سؤال بدأ
يُطرح من خلال الناس ومن خلال رجال التحقيقات وفاروق ووالده في دوار العمدة يقومان
بتجهيز الطعام والشراب للشرطة وللمحققين .
ولكن رجال
الشرطة ورجال البحث الجنائي وجدوا عندما عاينوا مكان الحادث دماءاً كثيرة في كل
مكان في منزل القتيلة ، وكما نعلم جميعاً بأنه ليس هناك جريمة كاملة وأن الجاني يجب وأن يترك ورائه ولو خيطاً رفيعاً
يتم الوصول إليه من خلاله ، فوجدوا بصمة ملطخة بالدماء على مفتاح الكهرباء الموجود
في حجرة المجني عليها ووجدوا ميدالية مكتوب عليها المركز الأول في كرة القدم .
ومن هنا
بدأ البحث والتحري ..........
حضر فريق
من رجال البحث الجنائي وكذلك رجال التحقيقات ورجال المباحث ولأول مرة كان دوار العمدة هو مسرح العمليات
التي يتم عليه استجواب أهل القرية ، هذه القرية المسكينة التي ليس لها ذنب سوى
أنها خرج من ترابها ومن طينها هذا الشقي الذي كان مثالاً للأخلاق في الملاعب وكان
متسامحاً سهلاً ليناً ولكن هذا القاتل خرج من بيت مكون من أب وأم وأخوان غيره فكيف
يتسنى لهذا الإبن أن يكون مستقيماً وأباه يعمل قواداً للنساء لكبار رجال القرية
وكيف يتسنى لهذا القاتل أن يكون مستقيماً وأمه تعمل خادمة في البيوت وتمشى بين
الناس بالغيبة والنميمة وغير ذلك إنها امرأة ذات وجهين ، فكل هذه الانطباعات
انعكست على القاتل حتى ولو لم يكن مظهره الخارجي يدل على ذلك .
أما هذه القرية المسكينة التي كانت تكمل عشاءها نوما جاء لها رجال الأمن
المركزي فجعلوها تنام من بعد أذان المغرب ، فلقد قاموا بعمل سياج أمنى من رجال
الأمن المركزي حول القرية وعزلوها تماماً عن القرى المجاورة ولا يدخل إليها أحد
ولا يخرج منها أحد ’ حتى صلاة العشاء كان أهل القرية يؤدونها في بيوتهم ، وأصبح
الخوف سائداً بين الناس جميعاً لمدة قاربت نصف الشهر ، كل هذا وفريق البحث الجنائي
يمارس مهامه في البحث عن القاتل .
وعندما
نحاول أن نقترب من دوار العمدة نجد رئيس المباحث يجلس وحوله شيخ البلد والخفراء
ورجال الأمن والكل في رعب وخوف وتحفز فمن الممكن أن يأتي عليك الدور في السؤال
وأنت لا تدرى .
وهذه
الميدالية التي وجدت في مسرح الجريمة كانت هي الخيط الأول للبحث والتحري .
فالقاتل
لابد وأن يكون من الشباب بل من شباب هذه القرية على الأخص ولابد وأن يكون لاعباً
للكرة ، فبدأ فريق البحث في إحضار جميع الشباب وأخذ أقوالهم وبصماتهم وإرسالها
لمعمل البحث الجنائي لمطابقتها بالبصمة الموجودة على مفتاح الكهرباء والملطخة بالدماء ، والكل رهن إشارة التحقيقات والكل مُساءل .
وبعد عدة
أيام ظهرت نتيجة المعمل الجنائي ومع الأسف لم تطابق بصمة هؤلاء الشباب جميعاً هذه
البصمة الموجودة على مفتاح الكهرباء في حجرة القتيلة ، وكيف تتطابق والقاتل أمام
المحققين ولا يشك في أمره أحد .
" فاتجه فريق البحث إلى اتجاه آخر وهو مُساءلة جيران القتيلة عن سلوك
القتيلة وكيف كانت معاملتها معهم " . فبدأوا بالإرسال إلى الجيران واحداً
واحد وأثناء مُساءلة واحدة من الجيران قالت في حديثها كلاماً غريباً بعض الشئ .
قالت
الجارة : أنا شوفت أحمد العرباوى ابن عم زوج القتيلة كان داخل عندها ليلة ما
اتقتلت ، فأرسلوا على الفور إلى أحمد العرباوى فوجدوه يعمل حارساً خاصاً في مدينة
العاشر من رمضان فأحضروه على الفور وبدأ التحقيق معه .
رئيس
المباحث : اسمك وسنك وعنوانك
أحمد
العرباوى : والله يابيه ما أعرف حاجة عن اللي حصل ده ، دا كل الحكاية ....
رئيس
المباحث مقاطعاً له : إنت ما بتفهمش ، قولي الأول اسمك وسنك وعنوانك .
أحمد العرباوى : حاضر يابيه ، أنا اسمي أحمد العرباوى ،
42 سنة ، وشغال حارس خاص على بعض العمارات اللي تحت الإنشاء في مدينة العاشر من
رمضان ، وساكن هنا في البلد وعمري ما طلعت منها قبل كده حتى ما رحتش الجيش علشان
وحيد وما أعرفش في حياتي غير بيتي والجامع وشغلى .
رئيس المباحث : تعرف إيه عن القتيلة .
أحمد العرباوى : أبداً يابيه ست طيبة ومحترمة وبعدين دي مرات ابن عمى .
رئيس المباحث : وإيه اللي جابك عندها ليلة ما اتقتلت
أحمد العرباوى : أبداً يابيه أنا كنت في
أجازة وبعدين وأنا مسافر يومها العصر مش بالليل عديت عليها علشان أشوفها عايزة
حاجة ولا لأ وكان قدَّام الناس وعلشان كمان أسألها عن ابن عمى مصطفى زوجها اللي في
السعودية أخباره إيه .
رئيس المباحث : وبعدين ياسيدى.
أحمد العرباوى :
أبداً بابيه سافرت على طول
رئيس
المباحث :أنا مش مستريح لك يا ابن .....
أحمد
العرباوى : ليه يا باشا ، والله أنا غلبان وبجري على كوم عيال .
رئيس المباحث : علشان كده اتظاهرت إنك سافرت يومها ورجعت
لها علشان تقتلها هيه وأخواتها وكمان ابنها الصغير يا مفترى.
أحمد العرباوى : يلطم خديه ويصرخ ويقول أنا يابيه ، والله
ما حصل .
" وفى هذه الآونة بعد تحقيق دار أكثر من عشرة أيام
ولم يتوصلوا إلى شئ واتصل وزير الداخلية شخصياً على مدير الأمن طالباً منه إنهاء
هذه المهزلة وإيجاد القاتل ، فأصبح رجال المباحث في ورطة ولابد وأن يوجد القاتل
بأسرع وقت ممكن بأي وسيلة أياً كانت ، وإن لم يوجد أحد أخذوا أي شخص آخر تحوم
الشبهة حوله وألبسوه القضية ، وهذا ما حدث مع أحمد العرباوى " .
رئيس
المباحث طلب من فريق البحث تفتيش منزل أحمد العرباوى ، وعلى الفور قام فريق البحث
بتفتيش منزل المتهم الأول في قضية القتل هذه ، وبعد التفتيش لم يجدوا شيئاً سوى جلابية فلاحى لأحمد العرباوى موجود
عليها بعض نقط حمراء يهيأ للناظر إليها أنها دماء فأخذوها على الفور وأخذوا زوجة
أحمد معهم أيضاً وذهبوا بها إلى رئيس المباحث في دوار العمدة.
رئيس
المباحث : مش قولت لك يا ابن .... إنك إنت القاتل ، وأنا بصراحة من ساعة ما شوفتك
وأنا مش مستريح لك .
أحمد
العرباوى وقد ظهر عليه الإعياء : والله يا بيه ما قتلت حد .
زوجة أحمد
: يا لهوى يا لهوى دا أحمد غلبان يا بيه دا هيه اللي كانت عاوزة
يندب في عنيها رصاصة وكانت فاجرة.
أحمد
ناظراً إلى زوجته : حرام عليكى أذكروا محاسن موتاكم ، يا باشا ما تخدش على كلامها
دي أصلاً ست مخبولة وكانت بتغار منها
علشان المرحومة كانت أجمل منها .
رئيس
المباحث : كانت أجمل منها ؟
أحمد
العرباوى : أيوة يا بيه ، وكانت كمان
دايماً بتتخانق معاها .
رئيس المباحث : يعنى ممكن زوجتك تكون هيه اللي قتلتها ، أو إنتوا الإتنين .
أحمد
العرباوى : أبداً يا بيه ما أقصدش إنها قتلتها قصدي حاجة ثانية خالص .
رئيس المباحث : ولا تانية ولا تالتة .
" ثم ينظر إلى من حوله من رجال التحقيقات طالباً منهم الذهاب بجلابية
أحمد العرباوى إلى المعمل الجنائي والحصول على نتيجة هذه البقع الحمراء والتي يشك
أنها دماء نتيجة قتل أحمد لزوجة ابن عمه ، ثم يتجه بنظره إلى أحمد وزوجته ويأمر
بوضع الحديد في أيديهما والإبقاء عليهما
في دوار العمدة حتى تخرج نتيجة المعمل الجنائي "
أحمد العرباوى وزوجته أثناء وضع الحديد في أيديهما
يصرخان ويقولان : والله يا بيه ما نعرف حاجة عن الموضوع ده.
رئيس
المباحث : اخرسي إنتى وهو .
" كل
هذا الحوار يدور وفاروق القاتل وأبوه يجلسان يتابعان الموقف بترقب وحيطة وحذر
وبالطبع هما يعلمان أنهما بعيدان كل البعد عن دائرة الشك ، ففاروق ووالده يعملان
أمام أعين الشرطة داخل دوار العمدة الذي يُعد رجلاً من رجال الأمن ".
وها هو أحمد العرباوى بدأ يُشك فيه من الجميع بأنه هو القاتل ، ولو لم يكن
هو القاتل سنجعله قاتلاً ، كل هذا بدأ يدور في عقل رجال البحث والتحقيقات ، أرادوا
أن ينهوا هذه القضية ولو بأي شكل نتيجة الضغط الشديد الموجه لهم من قبل وزير الداخلية
ومدير الأمن ، فلا يهم أن يكون أحمد بريئاً أو غير ذلك ، المهم أننا تحصلنا على
رجل تدور حوله الشبهات ، وبعد عدة أيام ورجال التحقيقات ينتظرون نتيجة المعمل
الجنائي وأحمد وزوجته ملقيان على الأرض في دوار العمدة بغير طعام ولا شراب والحديد
في أيديهما وأرجلهما والكل ينظر إليهما باشمئزاز وسخرية .
طلب رئيس
المباحث ممن حوله الإتيان له بجيران أحمد العرباوى ليسألهم عن سلوك أحمد وزوجته .
وبدأ
التحقيق مع الجيران فرداً فرداً ، حتى جاء الدور على هذه الجارة التي تدعي "
سعدية " فجاءت ومعها ابنها "محمد " في المرحلة الإعدادية ، ودخلت
سعدية أمام رئيس المباحث مذعورة هلعة ، فنظر إليها رئيس المباحث وإلى ابنها
فوجدهما خائفين مرتجفين ، وقبل أن يوجه لها السؤال وإذا بنتيجة المعمل الجنائي تأتي
مع مخصوص في ظرف أصفر كبير ، وإذا برئيس المباحث يفتح الظرف ويبدأ في قراءة
النتيجة في سره فيذهل ويعرف بأن البصمة ليست بصمة أحمد وبأن النقط الحمراء التي
وجدت على ثوبه ما هي إلا لون أحمر " مادة زيتية " فيتعجب ولكنه بخبرته
وحنكته ينظر إلى أحمد نظرة استغراب ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة سوى أنه بدأ في
استكمال تحقيقاته مع هذه الجارة المذعورة .
رئيس المباحث
: اسمك وسنك وعنوانك .
سعدية
وابنها متعلق بملابسها : أني اسمي سعدية أم عبدالرحيم ، وووو ..... ، ومش عارفة أني عندي كام سنة ، أنى مولودة من
زمان ، وأني جارة المرحومة أحلام ألف رحمة ونور عليها ، وكمان جارة المتنيل على
عينه أحمد العرباوى .
رئيس
المباحث : تعرفي إيه عن القتيلة ؟
سعدية :
أبداً يا باشا عادي ست طيبة وصغيرة وحلوة وبعزها زى بناتي الله يرحمها .
رئيس
المباحث : كان مشيها وحش ؟
سعدية : أستغفر الله يا باشا لنا ولايا ، كل الحكاية إنها كانت متدلعة شوية
.
رئيس المباحث : طيب بتقولي إنك جارتها .
سعدية : إيوة يا باشا الجنينة بتاعت بيتها بتطل
على بيتي من ورا .
رئيس
المباحث : أيوة أنا لاحظت كده عند معاينة مكان الحادث ، وشوفت إن بيتك له شبابيك
صغيرة بتطل على بيت القتيلة .
سعدية : إيوة يا باشا مصطفى جوز المرحومة الله يصبحه بالخير كان راجل طيب ،
لمَّا كنا بنبنى قلنا له إن المطبخ والحمام اللي بيطلوا على الجنينة بتاعته هيبقوا
ضلمه فلو سمحت هنفتح شباكين صغيرين علشان ينوروا ، فوافق وقال هناخد ورقة بكده إن إنتوا ملكوش أي
ملك عندي ورا ولما آجى أبنى أبقى أسد عليكوا ، فقلنا له زى بعضه مفيش مشكلة وفتحنا
الشباكين الصغيرين دول " مناور يعني يا بيه "
رئيس
المباحث : طيب يا ..... قولتيلي اسمك إيه ؟
سعدية :
خدامتك سعدية يا بيه .
رئيس
المباحث : أيوة أيوة ... طيب يا سعدية
ليلة الحادثة ما سمعتيش أي هيصة أو دوشة أو صراخ أو أي حاجة ؟
سعدية وهى
مرتبكة ومتلجلجة : إإإإإإإ .... أبداً يا بيه
رئيس
المباحث متعصباً : إنتِ
هتجننيني ، إزاى جارتها والبيت في البيت ومسمعتيش حاجة .
"
وينظر إليها في عصبية وقد ظهر عليه الإعياء والتعب وتصدعت رأسه ويُخرج من جيبه
علبة سجائر ويُخرج منها سيجارة ويشعلها بعصبية ، ثم يتجه بنظره إلى الخفير الواقف بجواره
قائلاً له : هات لي يا ابني فنجان قهوة دوبل ويكون سادة ، إنتوا خلاص خلصتوا عليا
.
الخفير :
أمرك يا باشا .
ويدخل
الخفير إلى المطبخ ويوصي على القهوة ، ويقوم والد فاروق القاتل بعمل القهوة
وإعطائها لإبنه ليدخلها لرئيس المباحث .
فاروق
حاملاً القهوة : القهوة يا باشا .
رئيس
المباحث : شكراً يا فاروق .
فاروق :
العفو يا باشا إحنا هنا في خدمة سيادتك .
وأثناء
هذا الحوار ينظر محمد ابن سعدية جارة القتيلة إلى فاروق مرعوباً صارخاً متمسكاً
بملابس أمه قائلاً : فاروق القاتل .. فاروق القاتل .
فترتجف يد
فاروق وتسقط من يده الصينية التي كان يحمل
عليها القهوة ، وينظر إلى محمد في عجب ، وإذا برئيس المباحث يهب واقفاً ومهدئاً من
روع هذا الصبي قائلاً له : اهدأ يا ابني ، اهدأ يا ابني .
ثم يوجه
نظره تجاه فاروق متعجبا ، فيجد فاروق مرتبكاً وموجهاً نظره إلي اتجاه آخر ، فنظر
إليه رئيس المباحث نظرة ثاقبة ثم اتجه بنظره إلى الصبي مهدئاً إياه ، ثم اتجه
بنظره مرة أخري إلى فاروق طالباً منه ألا ينصرف ، وكل هذا يحدث وسط ذهول الحاضرين
وعلى رأسهم العمدة الذي لم يتلفظ بكلمة واحدة من أول التحقيقات سوي أنه يوصي بالمأكل والمشرب الخاص برجال الأمن والتحقيقات
، وإذا بأحمد وزوجته قد ظهر عليهما الإعياء التام تنفرج أساريرهما ويفرحان ، ولكن ماذا حدث ؟؟!! ، هذا
ما سنراه الآن .......
رئيس
المباحث ناظراً إلى الصبي الصغير قائلاً له : تعالى ياحبيبى ، مالك ، في إيه ؟
" محمد
متلجلجاً مرتبكاً خائفاً ناظراً إلي فاروق بخوف وذعر وباكياً بكاءً شديداً "
.
رئيس
المباحث : اهدا يا حبيبي ، ثم ينظر إلى الأمن الذي حوله آمرهم بأخذ فاروق إلى
الداخل حتى يطمئن الصبي الصغير ولا يخاف ، ثم ينظر إلى محمد قائلاً له : خلاص يا
سيدي فاروق مشي ، قولي بقي في إيه ، وإيه اللي خلاك لما شفت فاروق قولت فاروق قاتل
.
" الصبي
الصغير ناظراً إلى رئيس المباحث وعيناه تدوران في وسط رأسه خائفاً " .
رئيس
المباحث : تعالَ جنبي واهدا وقولي إيه الحكاية ،
إنت بكدا بتساعد العدالة وبتبرأ ناس بريئة ممكن تتاخد ظلم زى أحمد وزوجته اللي
قدامك دول
الصبي
الصغير : هقولك على كل حاجة يا بيه .
أمه سعدية
: لا يا محمد ما تقولش حاجة فاروق هيقتلك يا ابني وإنت اللي حيلتي على أربع بنات .
رئيس المباحث : بس يا ست إنتى ، كمان كنتى عارفة الحقيقة
وعمالة تلفى وتدوري عليه من الصبح .
سعدية : يا بية إحنا غلابة وأنا ست بجري على عيالي ومش لهم غيري في الدنيا
بعد وفاة أبوهم .
رئيس
المباحث متجاهلاً لكلامها وناظراً إلى محمد قائلاً له : سامعك يا بطل احكيلى إيه
اللي حصل .
محمد :
أبداً يا باشا كل الحكاية إن أنا وأحمد الله يرحمه كنا زمايل في مدرسة واحدة وكمان
أصحاب ولما أخته أحلام راحت تجيبه علشان يبات معاها كان عندنا مذاكرة كتير وكنا
بنذاكر مع بعض علشان كان عندنا امتحان الشهر الصبح ، لكن أخته أخدته يبات معاها ،
وكانت الساعة حوالي واحدة صباحاً ، وقالت لنا كفاية كدا علشان تعرفوا تصحوا الصبح
فايقين للامتحان ، لكن أحمد ما نامشى وفضل
يشاهد التليفزيون لكن إخواته كلهم ناموا ، وكل شوية يخرج في الجنينة ويبص عليا
ويضحك وأنا باصص عليه من الشباك بتاعنا اللي بيطل عليهم ، وبعد كده دخل أحمد علشان
ينام ، ويادوب دخل سمعنا صوت أنا وأمي فجرينا على شباك المطبخ . ونظرنا من خلفه
فوجدنا فاروق بيقتل أحمد ثم جرى وراء شيماء الصغيرة وسمعنا صوتها وهو بيقتلها ومن
يومها وأنا خايف وأمي ودتنى لدكاترة كتير فقالوا لها إنه مصاب بصدمة عصبية وعلشان
كده أمي ما بتروحش أى مكان إلا وتاخدنى معاها ، فنظر إليه رئيس المباحث وأمر
بإحضار فاروق على الفور وأخذ بصماته وأرسلها للمعمل الجنائي لمضاهاتها بالبصمة
المفقودة وتم ذلك بالفعل وبأسرع وقت ممكن ، واعترف فاروق بالجريمة كاملة دون عنف ،
ثم خرج مع رجال المباحث لتمثيل الجريمة وجميع أهل القرية يتابعون ويشاهدون ما يحدث
من خلف الأبواب والشبابيك ويتعجبون ، ثم ذهب وأحضر الحقيبة الجلد السوداء التي كان
قد أخذها من بيت القتيلة وأعطاها لفريق التحقيق .
وتم نقله
هو ووالده إلى مركز الشرطة ثم إلى السجن ، ثم أجريت له جلسة مستعجلة وحُكم على
والده بالمؤبد ، أما هو فلقد تم تحويل أوراقه لفضيلة المفتى ، حيث حُكم عليه
بالإعدام شنقاً ، وتم تنفيذ الحكم بعد مرور خمس سنوات قضاها فاروق في السجون
باكياً نادماً على فعلته داعياً الله أن يغفر له ...
وعادت القرية إلى هدوئها الذي كانت عليه ، و
رويداً رويدا بدأ الناس في النسيان ، ومرة أخري بدأوا يغطون في نوم عميق ، لعل
جريمة أخرى توقظهم مرة أخري ، فهذه هي الحقيقة أننا لا نستيقظ إلا عندما تقع
الجريمة .
الانـحـــراف
عندما يخيم الليل على قريتنا فى المساء تصبح البيوت وكأن فيها أشباح تريد
أن تشاركنا كل ألوان الحياة ، وعلى مرمى من البصر هناك من بعيد أرى بيتاً من
البيوت المظلمة يطل منه رجل فقير فلاح يكمل عشاءه نوما ولكنه أراد أن يجعل من بيته
منارةَ للعلم وهذا الرجل كان يعمل فلاحاً فى قطعة أرض صغيرة يُخرج منها ما يقتات
عليه هو وأولاده الصغار .
هذا الرجل يخرج كل يوم بعد صلاة الفجر قاصداً
أرضه التى ورثها عن آبائه وأجداده ، يظل يعمل فيها طوال اليوم ولا يخرج منها إلا
مع خروج آخر نفس للشمس مودعة لضوء النهار .
وكانت
زوجته تذهب إليه بالطعام ليتناوله وهو جالس معها تحت شجرة التوت المجاورة للساقية
الموجودة على رأس أرضه ، وبالرغم من أن قطعة الأرض هذه صغيرة إلا أن هذا الرجل أحس
بأن الدنيا وما فيها قد حيزت له ، وكانت زوجته بجواره مشرقة الوجه بشوشة سعيدة
راضية بما قسمه الله لها من زوج طيب محب لها وأولاد صغار يلعبون ويمرحون فى بيتها
... فماذا تريد بعد ذلك ؟!
وإذا بهذا
الزوج الطيب يشير إليها بأن تقاسمه طعامه فليس للطعام طعم من غير مشاركتها إياه .
وكان الحب
بينهما متبادلاً فكان ينظر إليها بإعجاب وكانت تبادله نفس الشعور .
وفى ذات يوم قال لزوجته بأن المياه فى الترعة كادت أن تجف ولا سبيل لزراعة
الأرض إلا بإخراج هذه المياه القليلة من الترعة إلا بواسطة الطنبور " وهو آلة
رفع للمياه يدوياً ولكنها شاقة ومتعبة " ، وبالفعل أتى بالطنبور وأخذ يرفع به
المياه من الترعة ولكن بصعوبة ، فنظرت إليه زوجته فوجدت الإعياء بدأ يظهر عليه ،
فشمرت عن ساقيها وقالت له : دعنى أشاركك العمل ، فنظر إليها مبتسماً راضياً ، وقال
لها : لا أبداً إنتِ تعبانة ، فقالت له : كفاية عليك كده وأنا هكمِّل ، فترك لها
الطنبور .. وأخذت تشمر عن ساعديها وساقيها وهو ينظر إليها فى حب وسعادة ، حتى
انتهت من رفع المياه المطلوبة لهذه الأرض ، وبعد ذلك أخذا فى تناول طعامهما سوياً
، ولكن الزوجة بدأ يظهر عليها الإعياء والتعب ولكنها لا تريد أن تُظهر لزوجها ذلك
حتى لا يتأذى ولا يتعب من أجلها ، وبعد تناولها عدة لقيمات مع زوجها انتفضت واقفة
قاصدة بيتها لترى ماذا فعل أولادها الصغار فى البيت بدونها .
ولكنها
عندما وصلت إلى بيتها لم تستطع فعل أى شئ لأن الألم بدأ يظهر عليها ، فآوت إلى
فراشها لتستريح وحولها أولادها الصغار ومعهم أخوهم أحمد الذى يكبرهم ، فأخذ
الأطفال ينادون عليها وهى تنظر إليهم دامعة العين صامتة اللسان .
فجرى أحمد
إلى الحقل ونادى والده ، فجاء الأب مسرعاً ليرى ماذا حدث لزوجته الحبيبة التى كان
شغوفاً بها طيلة عمره .
فوجدها
تتألم ألماً شديداً ، فأخذ يسألها ماذا حدث ؟! ، ماذا حدث ؟!
وهى تنظر
إليه ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ، فجرى على الفور وأحضر سيارة أجرة ليأخذها
إلى أقرب طبيب ، وذهبا سوياً إلى الطبيب وتركا أولادهما فى البيت بعدما أوصى الأب
ابنه أحمد الذى لم يتجاوز الخامسة من عمره بأن يراعى أخواته الصغار حتى يرجع هو
وأمه ... وكان طفلاً نابغة ذكياً .
وعندما
وصلا إلى الطبيب وبدأ بالكشف عليها نظر إلى زوجها وقال له : خذ زوجتك وإذهب بها
إلى بيتك فلن أكتب لها علاجاً ، فسأله لماذا ؟؟ ، فقال له : ماهى إلا ساعات وتفارق
زوجتك الحياة .
فبكى
الزوج وحمل زوجته بين ذراعيه ووضعها فى السيارة ورجع إلى بيته ، وأثناء الطريق
تنظر إليه زوجته فتجد عيناه تذرفان بالدمع ، فتحدثه بعينيها متسائلة ماذا حدث ؟؟!!
، فيقول لها : مفيش حاجة إطَّمنى إنتى زى الفل وهتقومى لنا بالسلامة دا إحنا ملناش
غيرك فى الدنيا أنا والأولاد ، دا إحنا من غيرك ولا حاجة ياغالية ، ثم يضمها إلى
صدره ضمة شديدة وهو باكٍ .
ثم يصل
إلى بيته ويدخل ويضعها على سريرها لتستريح وهو يعلم تماماً بأنها ستستريح ولكنها
الراحة الأبدية ، ولكنه أصر أن يضع رأسها على فخذيه ليملىَ عينيه من زوجته التى أمست قاب قوسين أو أدنى من الرحيل ، وأخذ
ينظر ويحملق فى وجهها وعيناه تذرفان بالدمع وأولاده الصغار ينظرون إلى حال أبيهم وأمهم ويبكون ، وإذا
بالزوجة تغمض عينيها مفارقة زوجها وأولادها ومفارقة للحياة ، فيصرخ الأب ويصرخ الأولاد من حوله مودعين إياها إلى الدار الآخرة
.
لقد فقد
الأب من كانت تسانده فى حياته . لقد فقد
الأب من كانت تسهر على راحته .
لقد فقد
الأب نصف حياته بل نكاد أن نقول كل حياته .
الحياة بعدها لا تساوى شيئاً ، ولكنه بعد عدة أسابيع أو على الأصح عدة شهور
أخذ يتماسك لأن وراءه مسئولية كبيرة وهى تربية أولاده وقرر أن لا يأتى لهم بزوجة
أب ولكنه سوف يَهَب بقية حياته لخدمة أولاده .
وعندما كبر ابنه أحمد أخذ فى إدخاله المدرسة الابتدائية وكان طفلاً نابغة ،
وأخذ يتدرج فى المراحل التعليمية حتى وصل إلى المرحلة الثانوية وأخذ والده يكافح
من أجل تربية أبنائه تربية حسنة سليمة .... وقد اجتهد هذا الفتى اجتهاداً كبيراً
حتى حصل على الثانوية العامة بتفوق ودخل كلية الطب وكان من المتفوقين ... وعندما
أصبح هذا الفتى عفياً يافعاً وأصبح طالباً
فى المراحل الأخيرة من كلية الطب بالأسكندرية جاءه قدره السيئ ، فقد تعرف على
مجموعة منحرفة تدعو إلى الانحراف بإسم الدين وسار فى طريقهم ، طريق الغواية
والفساد طريق الذهاب بلا عودة ، وتعمق معهم وانحرف معهم وسار معهم فى طريقهم ،
يخربون ، يقتلون ، يستبيحون ، فعلمت السلطات المصرية بهذا وتعقبوه وساروا خلفه دون أن يدرى ، وفى
ليلة مشئومة قاموا بمهاجمة بيته ولكنه كان قد علم بقدومهم فهرب فبحثوا عنه فلم
يجدوه ، فماذا يفعلون ؟؟ . فقاموا بأخذ والده المسكين حتى يستطيعوا القبض عليه
وحتى يقوم بتسليم نفسه .
ولكن هذا
الفتى الذى ظننا أنه سوف يكون سنداً لأبيه المسكين أصبح نقمة على أبيه ، وأخذوا
يحققون مع والده الذى لا يعرف شيئاً عن جرائم ابنه واستخدموا معه أشد وأعنف وسائل
التعذيب الممكنة وغير الممكنة
وأصبح هذا الرجل المسكين لا يدرى بما حوله وأصبح
أولاده الصغار مشردين لا يجدون من يعطف عليهم ولا من يعطيهم لقمة خبز ، وهذا الولد
المتعوس الذى جلب لأبيه وعائلته الخزى والعار والذلة والمسكنة تحت شعار زائف
وللأسف ظناً منه أنه يخدم وينصر الدين وكم ممن قُتلوا بإسم الدين ظلماً .
فكيف يكون
هذا وأنت لا تعلم تعاليم دينك الحنيف ، أما الوالد فأصبح فى حالة يرثى لها وفى
النهاية تم العثور على هذا الفتى وخرج والده من المعتقل وفى ليلة مشئومة أرسلوا
إلى والده للذهاب لاستلام جثة ابنه وقيل أنه انتحر وضاع الإبن وضاع الأب فلقد كف
بصره من شدة التعذيب وضاعت الأسرة كاملة بسبب انحراف ابن من أبنائها .
الخير والشر
قرية
صغيرة يخيم عليها الفقر المدقع ، أهلها
نائمون تائهون فى ظلمة الفقر والجوع .
عم
محسن رجل صالح يعرف الله ويتقيه حق تقاته ، يستيقظ فى الصباح يصلى الفجر فى جماعة
وكل أمانيه فى الحياة أن يربى ابنه حسان من حلال .
وأخذ
عم محسن يعمل بجد ونشاط عند صاحب القصر الكبير الذى يعمل فيه كسفرجى وكان يعمل
جاهداً لإرضاء صاحب هذا القصر ، وكان صاحب القصر " أفندينا " يعامله
بشدة وغلظة وعم محسن يقابل ذلك باللين فى الكلام والمعاملة لأنه يريد أن يأكل عيش
ويربى أولاده تربية حسنة لكى لا يتكففون الناس .
وفى
ذات يوم دخل عم محسن بيته فوجد ابنه حسان يبكى بكاءً شديداً ، فقال له ياولدى ماذا
يبكيك؟؟ ، فقال له يبكينى أن كل من فى سنى أوشكوا أن يدخلوا المدارس وأنا أريد أن
أتعلم وأن أدخل المدرسة ، فبكى عم محسن من حديث ابنه حسان وقال له ياولدى ستدخل
المدرسة إن شاء الله بأى حال من الأحوال ، ودخل الرجل حجرته واحتضن ابنه وضمه إلى صدره وبكى وقال له ياولدى لا تحزن إن شاء الله
سوف تتعلم .
وفى
الصباح ذهب عم محسن ومعه الأوراق الخاصة بحسان وتقدم بها إلى المدرسة الإبتدائية
الإلزامية .
وأخذ حسان يذهب إلى المدرسة بانتظام وكان متفوقاً فى دراسته وكان من
المتميزين فى المدرسة وعم محسن كان يعمل بجد ونشاط فى قصر أفندينا ليحصل على المال
اللازم لتربية ابنه الذى خرج به من الدنيا بعد وفاة زوجته التى كان يحبها حباً
شديداً .
وحصل
حسان بعد عدة سنوات على الشهادة الإبتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية بتفوق ملحوظ
يشهد له الجميع وكان من الأوائل والمتفوقين .
وبرغم
هذا التفوق كان يحافظ على مشاعر والده المسن بخصوص مطالبه الدراسية فكان طفلاً
حنوناً على والده .
أما على الجانب الآخر نلاحظ بأن سمير ابن صاحب القصر والذى يزامل حسان كان
فاشلاً يدخن السجائر ويضايق الفتيات ويذهب إلى مدرسته بسيارته الفارهة أما حسان
فكان يذهب إلى مدرسته ماشياً على أقدامه وبرغم ذلك الفقر الذى كان حسان يعيش فيه
إلا أن سمير كان يكرهه كرهاً شديداً بسبب تفوقه عليه دراسياً ، وكان دائماً ما
يناديه وسط أصحابه فى المدرسة قائلاً له " ياإبن السفرجى " ، فيذهب حسان
يبكى ويشتكى لأبيه فيهدأ من روعه ويرضيه بل يبعث بداخله الحماسة من أجل الجد
والنشاط ويقول له سبيلك الوحيد هو التفوق لتصبح أفضل منه فإن الناس يقدرون صاحب
العلم ولا يقدرون صاحب المال .
ومرت
الأيام والتحق حسان بكلية الحقوق واكتفى سمير بالثانوية العامة لأنه رسب فيها ولم
يحصل عليها .
وكان
حسان متفوقاً أيضاً فى كليته وتخرج منها بتفوق وكان الأول على دفعته مما جعله
يلتحق بالنيابة وأصبح حسان وكيلاً للنيابة .
وسمير
ابن صاحب القصر يعربد فى النساء ويشرب الخمور ويعشق الليالى الحمراء ومن هواة
السهر وكل يوم له مشاكل عديدة متنوعة بل أصبح مدمناً للشرب والمخدرات .
أما
حسان فأصبح وكيلاً للنيابة وأصبح متميزاً فى عمله .
وفى ذات يوم قال لأبيه " كفايه كده ياوالدى شغل كويس كده إنت تعبت
كتير علشانى " ، فقال له أبوه يا بنى أنا اتعودت على كده وما أقدرش أقعد لأنى
اتعودت على الشغل ، فقال له حسان طيب إحنا عايزين نبنى بيت كويس فوافق والده
وقاموا بهدم البيت القديم الذى ورثه عم محسن عن أبيه وأجداده ليبنوا بيتاً جديداً
، وأثناء رفع أنقاض البيت القديم وجد عم محسن جرة قديمة " زلعة " مليئة
بالجنيهات الذهبية وبالذهب الخالص فأخذها عم محسن وحمد الله وقام ببناء قصرمشيد
وقام بزراعة حديقته بالورد والرياحين وقام ببناء مسجد فى مقدمة القصر وسماه "
مسجد الحمد " ليظل يحمد الله ويشكره على نعمائه ويذكر الله آناء الليل وأطراف
النهار .
واستقر
عم محسن فى المسجد يصلى ويذكر الله ويصلى بالناس جماعة كل صلاة لوقتها ، وأطلق
عليه اسم " الشيخ محسن " .
أما
حسان فأصبح فى قصره ينعم بالراحة والطمأنينة من غدر الزمان وتزوج من ابنة رجل غنى
يعرف الله ويتقيه حق تقاته .
أما
على الجانب الآخر نرى نهاية صاحب القصر الذى كان يعمل فيه عم محسن فكانت نهايته
نهاية قذرة .
فسمير
ابنه أدمن المخدرات وذهب ذات يوم ليسرق أبيه فرآه والده فظن أنه لص فأطلق عليه
النار فأرداه قتيلا ، وعندما اقترب منه وجده ابنه فانهار وفقد عقله ودخل
مستشفى للأمراض العقلية .
فشتان
ثم شتان بين الخير والشر .
وهذ نهاية حتمية لكل ظالم ؟
حـــيـاتــى
في ليلة
النصف من رمضان سمع أهل القرية صراخ مولود جديد أتى إلى الدنيا ليعافر معها وتعافر
معه ، هذا الطفل جاء بعد طول انتظار ، جاء بعد سبعة من البنات أتين قبله إكتظ
البيت بهن ، فرح الأب وفرحت الأم وفرحت البنات بقدوم هذا الزائر العزيز ، ولِمَ لا
وقد جاء بعد معاناة وألم ، ولِمَ لا وقد جاء ليكون ديك البرابر وأخاً وسنداً
للبنات بعد والديهم ، ولِمَ لا وقد جاء ليكون الذكرى الوحيدة لوالده فى الدنيا ،
فلقد فرح الجميع بقدومه فرحاً شديداً داعين الله سبحانه أن يكتب له السعادة فى
الدارين الدنيا والآخرة .
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فلم تسعده الدنيا ولم تعطه وجهها بل
أعطته ظهرها وأبت أن تكون معه وتسعده ، فعلى الفور ماتت أمه رمز العطف والحنان
والتى كانت تتمنى أن تبقى ويمهلها القدر لترى ابنها فلذة كبدها فتىً عفياً يشار له
بالبنان ، ولكن هيهات هيهات فلقد داهمها المرض وماتت قبل أن يتعرف عليها هذا الطفل
المسكين .
عاش الطفل بجوار أخواته البنات وهو أصغرهم سناً ولكنه أفهمهم وأذكاهم
وأنبغهم فلقد كان فطناً ذكياً فصيحاً منذ صغره ، ولكن رحلة العذاب فى هذه الدنيا
بدأت عندما تزوج والده بزوجة أخرى وفى أسرع وقت ممكن وكأنما كان الأب فى انتظار
موت الأم المريضة بفروغ الصبر ليفعل فعلته هذه .
وجاءت زوجة الأب وكانت امرأة جسيمة متعجرفة ليس فى قلبها رحمة ولا عطف ولا
حنان على هؤلاء الأطفال الصغار الذين فقدوا أمهم رمز الحنان فى دنياهم ، ولا عجب
فى ذلك فلو كان عندها عطف وحنان ما تزوجت رجلين قبل ذلك وأنجبت منهما وتركت
أولادها الصغار ونظرت للزواج من رجل ثالث ، فهى امرأة شهوانية وكل غرضها فى الحياة
هو إشباع غرائزها وتلبية طلباتها التى لا تنقضى .
وأصبح
الأب رهن اشارة زوجته التى تصغره سناً بكثير ، وأصبح يعامل أطفاله معاملة خشنة ليس
فيها عطف ولا حنان فلقد فقد الأطفال حنان الأم بعد وفاتها وحنان الأب بعد زواجه من
هذه المرأة التى سيطرت على كل
حياته ،
فكل ما يريده من الدنيا هو سعادة هذه المرأة .
ولكن هذا
الطفل أراد الله سبحانه له أن يكون من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد
ذهب به أباه إلى كُتاب القرية ليحفظ القرآن الكريم على يد أحد المحفظين وكان طفلاً
متميزاً ، فلقد حفظ القرآن بأكمله وهو فى سن مبكرة جعلته يحصد معظم الجوائز فى
معظم المسابقات وكان الأول دائماً وكان نوعاً من الأطفال نادراً .
ثم ذهب
إلى المدرسة وأثناء دراسته كان متميزاً وكان يقرأ القرآن منذ صغره فى طابور الصباح
بالمدرسة حتى أحبه الجميع .
ولم يكتفِ بذلك بل حصل على الشهادة العليا فى المحاسبة ولكن القرآن قوَّم
لسانه وجعله فصيحاً لبقاً .
فلم يكتفِ بحفظه للقرآن فقط ولكنه أخذ ينهل من سنة الحبيب المصطفى صلى الله
عليه وسلم فأصبح بل صار داعيةً اسلامياً يشار له بالبنان وهو لم يتعدَّ الرابعة
عشر من عمره وأخذ يجود القرآن الكريم ويبتهل إلى
الله
بأجمل الإبتهالات وأخذ يكتب القصة القصيرة ويكتب الشعر بأنواعه المختلفة بل كتب
مجموعة كبيرة من الكتب الدينية العظيمة والتى تعد مرجعاً لطلاب العلم فى السنة
النبوية المطهرة والفقه والتفسير والتراجم والعبادات فصار متميزاً فى كل شئ .
ولكن
القدر شاء أن يتوفى والده ويتركه فى أول الطريق فقامت زوجة والده بطرده من المنزل
وذلك بعد أن تزوجت جميع أخواته البنات فنام فى الشارع ولم يعطف عليه أحد حتى أخواته البنات لأنهن لا يملكن شيئاً
ولأنهن فى عصمة أزواجهن .
وجاءت
إليه امرأة عجوز فعطفت عليه وأخذته إلى بيتها ليسكن عندها وأخذ يعمل فى عدة أعمال
بغرض التقوت من عائدها فقط ، وقامت هذه المرأة ببناء بيت صغير له على قطعة أرض
ورثها من والده على نفقته الخاصة .
ثم بعد
ذلك عرضت عليه الزواج من ابنتها التى لم تحمل أى شهادة جامعية ولا متوسطة ولا تعرف
حتى القراءة ولا الكتابة ، وعندما حاول أن يفكر مجرد تفكير نهرته بعنف وقوة ، وكما
يقال فى الأمثال " اطعم الفم تستحى العين " فوافق على الفور فإنه يحتاج من تقوم على خدمته
من مأكل وملبس واحتياجات أخرى كثيرة .
وتزوج هذا
الشخص التعس من امرأة ليست بالذميمة ولكن الفروق بينهما واسعة وشاسعة وخصوصاً فى
التعليم وعاش حياته معها ليس بينهما أى تفاهم فى أى شئ ولكن هذا قدره وهذا نصيبه
فهو مؤمن بذلك تمام الإيمان ، وأنجب منها أربعة أولاد فوهب حياته لأولاده الصغار
فقام على تربيتهم تربية اسلامية جميلة فأخذ فى تحفيظهم كتاب الله ويحفظهم سنة
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسهر على راحتهم ودعا الله أن يبقيه لهم لكى لا
يعيشوا مأساته التى عاشها بوفاة والده ومن قبل والدته ولكى لا يأتى اليوم ويتزوج
فيه ابن من أبنائه بإمرأة ليس بينه وبينها توافق فى أى شئ .
فهو انسان مبدع فى كل شئ ولكن لا يقدر أعماله أحد فهو
يعيش وحيداً برغم وجود أولاده وزوجته بجواره وهذا هو قدره فى الحياة .
مــن الـحـياة
في ليلة من ليالى الشتاء الطويلة ذهب شحاته لأبيه
عبدالله ليطمئن عليه وعلى أحواله .. فطرق باب بيت أبيه فقامت زوجة أبيه وفتحت
الباب .
شحاته : مساء الخير ياأم محمد .
زوجة الأب : مساء الخير يا ابنى اتفضل .
شحاته : أبويه موجود .
زوجة الأب : أيوة موجود جوه .
شحاته : مساء الخير ياوالدى .
الحاج عبدالله : مساء النور يا ابنى ، تعالى هنا جانبى .
شحاته : إيه أخبارك مش كويس ؟
الأب : والله ياابنى تعبان وزهقان قوى .
الإبن : ياراجل سيبك من المشاكل وخليك مع الله .
الأب : كلنا مع الله واللى يبقى مع الله عمره ما ينضام .
الإبن : طيب اعمل لنا كوبايتين شاى على ركية
الولعة اللى قدامك دى .
الأب : حاضريابنى ، والله زمان يا شحاته لسة فاكر زمان
قبل ما تتجوز لما كنت تقعد جانبى وتطلب منى الشاى .
الإبن : والله كانت أيام حلوة .
الأب : ربنا يخليك ياابنى لأولادك ومراتك .
الإبن : ربنا يخليك لينا ويطول عمرك .
الأب : بس أنا زهقان من القعدة فى الدار
الإبن : إن شاء الله وأنا مسافر نويبع علشان أودى النقلة
اللى معايه على العربية النقل هاخدك معايه علشان أوريك الدنيا
الأب : ياريت يا ابنى أصل أنا خلاص .......
الإبن : إن شاء الله ، طيب يابا تصبح على
خير .
الأب : وإنت من أهله يا ابنى .
الإبن : تصبحى على خير ياأم محمد .
زوجة الأب : وإنت من أهله يا ابنى ، سلم لى على مراتك
وعيالك .
الإبن : الله يسلمك ، سلام .
وذهب شحاته إلى بيته ونام ليلته وفى الصباح بدأ يستعد
للسفر هو ووالده .
وودع الأب والإبن ذويهم وأهليهم ، وتحركوا بالسيارة على
بركة الله .
وجلس الأب بجوار ابنه يقرأ القرآن وابنه يقود السيارة ويستمع إلى صوت أبيه و هو فرحٌ مسرورٌ وكأنه يسمعه
لأول مرة .
وعندما حل المساء توقف الإبن ليستريح ويأكل هو ووالده
بعض الطعام ويشربون بعض الشراب .
وفى الصباح استأنف الإبن مسيرته على بركة الله ووالده
بجواره يرتل القرآن وينظر إلى ما حوله من انحدار للجبال والطرق الصحراوية الوعرة
التى تحتضنها الجبال فى سفوحها
وإذا بشحاته وهو ينظر إلى أبيه فى إعجاب وسرور وإذا
بسيارة كبيرة فى المقابل تقطع عليه الطريق وإذا بشحاته ينحرف بسيارته عن مساره
فيسقط بها فى منخفض هائل
فتتحطم السيارة عن آخرها وينتقل الإبن والأب إلى رحمة
الله تعالى فى آن واحد كأنهما قد تواعدا على الموت فى لحظة واحدة
وها قد صدق قول من قال :
مشيناها خطىً كتبت علينا ... ومن كتبت عليه
خطىً مشاها
وأرزاق لنا متفرقات ...
فمن لم تأته منا .... أتاها
ومن كتبت منيته بأرض ... فليس يموت فى أرض سواها
نعم عبد الله رجل يجلس فى بيته منذ سنوات طوال لا يخرج
من بيته إلا للصلاة وإذا بملك الموت يناديه ويقول له ياعبد الله سوف تموت ولكن ليس
بين أهلك وأحبابك ، ستموت فى أرض غريبة لم
تذهب إليها من قبل .
ياعبد الله لا تحزن أنت وولدك فأنتما شهيدان والجنة فى
انتظاركما .
وعلمت السلطات بهذه الحادثة الشنيعة وانتقلت إلى مكان
الحادث وتعرفوا على من بداخل السيارة ، وأرسلوا إلى أهلهم وذويهم ، فذهبوا وأحضروهم وقاموا بدفنهم وكان
مشهدهم مشهداً عظيماً بكى فيه الطفل قبل الرجل .
فهذه كانت النهاية فإلى جنة الخلد إن شاء الله ... فلعل
الإنسان يتعظ ويأخذ من ذلك العظة والعبرة .
فيامن بدنياه انشغل .... وغره طول الأمل
الموت يأتى بغتة .... والقبر صندوق العمل
الأمـــــــــــل
وُلِدَ فى بيت متواضع من بيوتات القرية المتواضعة ، آسَى كثيراً وتألم
كثيراً بسبب موت أمه مبكراً وإيذاء زوجة والده له ، ولكن يمر الزمان ويحاول طامعاً أن تنجلى عنه الأحزان ، ولكنها
كانت عاشقة له متعلقة به لا تقوى على فراقه كتعلق المحبوب بمحبوبه ، وتمر الأيام
وتنجلى الآلام شيئاً فشيئاً ، ويستكمل دراسته بصعوبة بالغة وسط هذه الظروف الصعبة
، ثم يعمل فى أعمال كثيرة من أجل لقمة العيش ، ثم يختار فتاةً يتيمة من بين فتيات
القرية ليتزوجها ، وتزوجها وأنجب منها ولدان إثنان ، ثم بعد ذلك تنضب هذه البطن عن
الإنجاب وتصير عقيماً ، كأن القدر شاء ألا تنجبَ غير هذين الولدين ، ولكنه حَمِد
الله على ذلك حمداً كثيراً ، وترعرع الإبناء فى وسط حالة من الحب والوفاق سائدة
بين والديهما إلى أن أنهى الإبن الأكبر دراسته ، والأب ينظر إليه فى إعجاب وسعادة
قائلاً فى نفسه سوف تبتسم لى الحياة وتعطينى وجهها بعدما كانت مدبرةً عنى وسوف
يكون ولدى هذا هو الأمل البسام فى حياتى أنا ووالدته وخصوصاً أنى ربيته تربية
اسلامية صحيحة ، وخصوصاً أن أخاه جاء معاقاً ذهنياً لا يعرف شيئاً ، وبالفعل كان
الولد باراً بوالديه .
وبعد إنهاء
دراسته أخذ يعمل فى عدة أعمال مختلفة لكى يتقوت منها وكان متحملاً مسئولية أسرته
كاملة وخصوصاً أن أباه كان رجلاً مسناً ، وفى يوم من الأيام قال لوالده : يا أبتى
إنى أريد أن أخدم وطنى من ناحية ويكون لى راتباً ثابتاً من ناحية أخرى .
فقال له
والده : ماذا تريد يابنى ؟!
فقال له :
أريد أن أتطوع فى القوات المسلحة .
فوافق
الأب على الفور ، وذهب الإبن وأحضر الأوراق اللازمة لذلك وبالفعل تقدم للإختبارات
ونجح وأصبح جندياً من جنود قواتنا المسلحة .
وفى يوم
من الأيام أثناء حراسته للحدود المصرية الإسرائيلية وجد بعضاً من بنات وشباب من إسرائيل يسيرون على الحدود
بجواره فى طابا ولكنه وجدهم يرتكبون الفاحشة أمام عينيه فاستعظم ذلك لأنه تربى على
المثل والأخلاق الحميدة ولم يتمالك نفسه وأطلق عليهم الرصاص فأرداهم قتلى ، وعلمت
السلطات المصرية بذلك الأمر وكذلك السلطات الإسرائيلية ، فتم القبض عليه ليقدم
للمحاكمة ، كل هذا ووالده لا يعلم شيئاً .
وفى ليلة ظلماء لم يظهر بها قمر وإذا بباب البيت
يُطرق ويخرج الأب ليرى من بالباب ، وإذا بجنود من رجال الجيش ومعهم قائدهم ينظرون
إلى الأب المسكين فى حسرة وندامة وحزن ، فيسألهم الأب ماذا حدث ؟
فيخبرونه
بأن ابنه قد مات .
فيسقط
الأب مغشياً عليه ، يحاولون تحريكه فيجدونه قد مات .
أحس الأب
بأن حياته أصبح ليس لها قيمة بعد فقد ابنه الأكبر أمله القادم المشرق فى حياته
المظلمة .
حلم اليقظة
أعيش
وحيداً برغم كثرة من حولى ، أحس بالوحدة لأننى لا يربطنى بهم سوى الكلمات التى ليس
لها معنى فى الحياة .
أحس
بالوحدة حتى بين زوجتى وأولادى ، فليس هناك توافق فكرى ولا عاطفى بيننا .
فلم أجد
صديقاً وفياً ولا مخلصاً غير الكتاب ، فحملته بين يدى فى رفق ولين وكأنى أخاف عليه
أن يسقط على الأرض ، ولا أخفى عليكم سراً أننى أخاف على الكتاب أكثر من خوفى على
نفسى وأولادى .
وأخذته
وذهبت لأستريح فى بيتى وحجرتى ، وعندما ذهبت إلى بيتى وجدت الكلاب الرابضة فى فناء
بيتى تنبح علىَّ بشدة غير معتادة ، فتعجبت وقلت لها : لا تنبحى ووفرى سبابك لى ،
أنا الأن فى شغلٍ عنكِ .
وكادت أن
تقطع سلاسلها لتفتك بى ، برغم أنى ربيتها منذ صغرها وكانت تحبنى وتأنس بى كثيراً ،
إنه لَشيئ عجيب حتى الكلاب عادت لم تألفنى ... سحقاً للحياة .
ودخلت
حجرتى وفتحت كتابى لأقرأ فيه ، وإذا بى أسرح معه وتأخذنى غفوة وأشعر وكأننى فوق
السحاب أسير ، وكأننى دخلت الجنة وأتمتع بما فيها ، وسمعت صوتاً ينادينى من داخلها ويقول لى : تمتَّع فنِعمَ الثواب .
تعجبت
وقلت لنفسى لقد عوضنى ربى عن وحدتى فى دنيتى بنِعمَ الأصحاب ، إنهم ملائكة رب الأرباب
، ولكنى نظرت إليهم سائلاً إياهم : ألم يكن
علىَّ عتاب ؟؟!!
فأجابونى
قائلين : لقد تعبت فى دنياك وكنتَ نِعمَ الشباب ، فسعدت سعادة بالغة أتمناها لكل
من تاب وأناب ، ولكن ياحسرتى حينما أحسست باللعاب ، لعاب الكلب يوقظنى من نومى
بعدما أحسست بروعة الخطاب ، فلقد مزق الكلب قيوده وجاء إلىَّ فى حجرتى لكى لا
يتركنى أتمتع بلحظتى حتى فى الأحلام ، وأخذ يلعق فىَّ بلعابه فأيقظنى من غفوتى ،
وحينما استيقظت أدركت أننى ما زلت فى دنياى ، وسمعت المذياع بجوارى يغنى للأحباب ،
أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ، فإنما الأيام مثل السحاب .
حينها
أدركت أننى ما زلت فى دنيا العقاب وواجب علىَّ أن أعمل ليوم الحساب ، يوم هم
بارزون وينقطع الخطاب .
ضحكت حتى بكت
!!!
فى
دنيانا هذه نرى كثيراً من المفارقات ، العالى والمنخفض ، العزيز والذليل ، الغنى
والفقير ، الحزين والسعيد ، الظالم والمظلوم ، القليل والكثير ، وهكذا تتعدد
المفارقات والأحوال وهذا كله بقدرة القادر الذى يقول للشئ كن فيكون
فهذه
قصور منيفة أراها على بُعد وعلى مرمى من البصر ولكنى لا أستطيع أن أقترب منها لأرى
ما بداخلها وأسرده لكم ، ولكنى من باب الفضول حاولت مرة لأرى ماذا يحدث بداخلها
وأنا أعلم أنه إذا أمسكوا بى سيكون جزائى الويل والثبور وعظائم الأمور ، ولكن من
باب العلم بالشئ أردت فى هذه المرة أن
أذهب متسللاً وبالفعل تسللت إلى أن وصلت
إلى سور حديقة هذا القصر وتسلقت السور بعناء وتعب ودخلت إلى داخل الحديقة ومن خلال
نافذة صغيرة تطل على الحديقة تابعت ما يحدث داخل هذا القصر .
وإذا
بى أسمع حواراً يدور بالداخل وهو بين صاحب هذا القصر وابنه ، وإذا بالولد يقول
لأبيه : لم أعد أتحمل ما أنا فيه ؟ ، فيرد عليه والده قائلاً له : وماذا أنت فيه ،
إن كل ما تتمناه تجده قبل أن تطلبه وتنام على الحرير وتأكل ما لذ وطاب . إذاً ماذا ينقصك ، فيرد عليه هذا الصبى قائلاً له :
أريد أن أنفق هذه الأموال جميعها على البنات الجميلات الصغيرات وأتمتع بكل لحظة من
حياتى ، فيقول له والده : يابنى اتق الله أنت لا تعرف ماذا كنت قبل هذا ، لقد كنت
فقيراً معدماً ولكن ربى تفضل علىَّ بنعمه وفضله ولولا أننى أعبد ربى وأخافه ما
أعطانى هذه النعمة ، فيرد عليه الولد فى غلظةٍ
وجفاء لأبيه المسن : إننى أتعس إنسان فى الدنيا ولا أقدِّر هذه الأموال ولا
أحترمها طالما هذه الأموال لم تمتعنى ، تباً لها من أموال ، ولكن إعلم بأنك سوف
تموت وسآخذها وأنفقها كيفما أشاء ، فينظر إليه أباه باكياً قائلاً له تباً لك أيها
الجاحد لنعمة الله .
وإذا
بى عندما أستمع إلى هذه الكلمات أتعجب وأخرج من الحديقة متسلقاً السور الذى يؤدى
للشارع وأسير وأنا فى عجب مما رأيت ،
وتحملنى قدماى إلى منظر آخر عجيب فى هذه الليلة الغريبة ، إمرأة فقيرة معدمة مات
زوجها وترك لها طفلاً صغيراً وقامت على تربيته على فتات الخبز الملقى فى قمامة هؤلاء الأغنياء ، وبدأ الطفل يكبر
وأمه ترعاه على قدر استطاعتها وفى الليل تأخذه وتأوى به بين بنايتين لا يحميهما من
الحر شيئاً ولا من البرد شيئاً .
وفى
ليلة من ليالى الشتاء الطويلة وكانت ليلة شديدة البرودة ، شديدة الهواء وإذا بالأم
تدخل فى هذا النفق المظلم الموجود بين عمارتين وتأخذ طفلها بين أحضانها وإذا
بالمطر يهطل وبشدة وبصورة غير مسبوقة وتبتل الأم وابنها ، أما هى فلا تبالى بنفسها
أما ابنها فهى تخبئه فى داخل أحضانها ، المهم عندها الولد ، وهذا هو حنان الأم ،
فنظرت حولها باحثة عن شئ تدفئ به ابنها الصغير أو تضعه عليه ليقيه شدة البرودة
ويمنع عنه هذه الأمطار الشديدة القاسية والتى لا تفرق بين غنى ولا فقير ولا تفرق
بين كاسٍ وعارٍ ، وهذه الأم المسكينة هى وإبنها يفترشان الأرض ويلتحفان السماء ،
وإذا بها تجد باباً قديماً ملقىً على الأرض فى وسط القمامة ، فتقوم مسرعة فرحة
وتأتى به ثم تجعله فى وضع مائل على الحائط المجاور لها وتدخل هى وابنها خلف هذا
الباب ، وبهذ الحيلة امتنع عنهما المطر .
وإذا
بالطفل ينظر فى سعادة غامرة إلى أمه قائلاً لها : يا أماه إننى سعيد ، فتقول له
لماذا ؟؟!! ، فيقول لها : لأننا عندنا باباً يقينا شدة المطر ..... يا أماه أسألك
سؤالاً ... فقالت له : ماذا تريد يا فلذة كبدى .... فقال لها وهو سعيد : ماذا يفعل
الفقراء الذين ليس لديهم باب مثل هذا الباب وكيف يختبئون من المطر ؟؟
فنظرت
إليه الأم فى سعادة غامرة وقالت له : الحمد لله ياولدى إن ربك لا ينسى أحداً ....
فرد عليها الطفل قائلاً لها : يا أمى إننى أحب الفقراء الذين ليس لديهم باباً يحميهم
من الحر والمطر مثل بابنا ... فنظرت له وقالت : وماذا تريد أن تفعل لهم ؟
فقال
: أستضيفهم خلف بابنا ليحميهم . فضحكت الأم ضحكاً كثيراً حتى بكت وهذا هو حال الفقير الحامد والغنى الجاحد
ســعـيـدة
عاشت حياة غير سعيدة وكان اسمها سعيدة ، تربت وترعرعت
بين أحضان والديها وكانت بذلك فرحة مسرورة ،إلى أن جاء اليوم الموعود وهو عندما
حضر والدها من عمله فجأة وعلى غير المعتاد وكانت هى تلعب فى الشارع مع الفتيات
الصغيرات ، وإذا به يدخل إلى بيته فيجد زوجته مع عشيقها على سريره ، ولكنه كان
رجلاً متزناً وحكيماً ، ترك العشيق يهرب بسرعة ثم أمسك بزوجته وجعلها توقِّع على
أوراق كتبها بأنها ليس لها أى حقوق عنده حتى ابنتها سعيدة .
فمن
خوفها منه ومن خشية أن يقتلها قامت بالتوقيع ثم ارتدت ملابسها وخرجت من البيت بلا
عودة ... ونادت عليها سعيدة : أمى إلى أين أنتِ ذاهبة ، فنظرت إليها وهى تبكى ولم
ترد على سؤالها .
حاولت
سعيدة أن تلحق بأمها ولكن أباها نادى عليها ونهرها وأخذها ودخل إلى بيته ... فنظرت
الطفلة إلى أبيها سائلة إياه : أبى إلى أين تذهب أمى ، فنظر إليها وحدق فى عينيها
الصغيرتان الممتلئتان بالدموع لفراق أمها لها وصمت ولم يرد ...
فاحتارت
الطفلة الصغيرة متسائلة فى نفسها ماذا حدث ؟
وتمر الأيام سريعاً ويتزوج الأب بإمرأة صغيرة جميلة ولأول مرة تنام سعيدة
الصغيرة فى حجرة منفردة ليس معها من يؤنس وحدتها ويضمها إلى صدره ويدفئها من برودة
الوحدة والجو ، وتبكى وتقول يا أبتِ لا تتركنى أنام وحدى إنى أخاف ، فينظر إليها
والدها وينظر إلى زوجته ثم يقرر فى نفسه أن يأخذ زوجته ويدخل إلى حجرته تاركاً
سعيدة حزينة تبكى بكاءً مريراً .
وتعيش
سعيدة حياة صعبة مع هذا الأب الذى لا يهمه سوى إرضاء زوجته الجميلة الصغيرة التى
كانت قاسية على هذه الطفلة المسكينة .
وتمر
الأيام وسعيدة تعامل معاملة سيئة من زوجة والدها وكذلك والدها إرضاءً لزوجته
ويخرجها والدها من المدرسة لتساعد زوجته فى أعمال البيت ، وكانت سعيدة غير راضية عن هذه التصرفات ولكن ماذا تفعل وليس بيدها شئ ،
وكبرت وترعرعت سعيدة فى بيت أبيها على الذل والاحتقار .
وفى
يوم من الأيام جاءَ رجلٌ إلى أبيها وطلب منه أن
يتزوج سعيدة وكان هذا الرجل يكبر أباها سناً وهى من سن أحفاده ، ولكن الغريب أن
أباها وافق وبلا تردد لكى يأخذ راحته مع زوجته
الصغيرة ... وذهبت سعيدة إلى بيت هذا الرجل المسن الذى يتعدى الثمانين من عمره ،
ولكن هذا الرجل أخذ يعاملها معاملة حسنة طيبة وأنجب منها طفلاً صغيراً جميلاً بعد
عام من زواجه بها .
وصارت
سعيدة أماً وهى فى سن مبكرة من حياتها ، هذا برغم تعجب الناس واستغرابهم لهذه
الزيجة ، ولكن سعيدة كانت راضية بما كتبه الله لها .
وفى يوم من الأيام مرض زوجها مرضاً شديداً فأخذت تبكى ونادت على أولاده
الكبار من زوجته الأولى التى ماتت ، فجاءوا إلى أبيهم ينظرون ماذا حدث ؟
فوجدوه
قد فارق الحياة ، فنظروا لها وقالوا :
ماذا
فعلتِ به ؟
فبكت بكاءً شديداً وقالت : لاشئ ، ثم حاولوا طردها ولكنها قالت لهم بأن
زوجها كتب لها ولإبنها هذه الشقة التى تقيم فيها فتركوها ، وبدأت تعيش على معاش زوجها الذى
كان لا يتعدى عدة جنيهات ، أما أولاد
زوجها فتركوها وشأنها هى وأخيهم الأصغر ، فاضطرت إلى أن تخرج لتبحث عن عمل تُزيدُ
به دخلها ، فأحضرت بعض الملابس وبدأت فى
عملية البيع والشراء ففى فترة وجيزة عرفها
الكل وبدأوا يقبلون على الشراء منها لسببين الأول وهو العطف عليها وعلى صغيرها
والثانى وهو أن يمتعوا أنظارهم بهذا الوجه الجميل ألا وهو وجه سعيدة .
وفى يوم نادى عليها بائع فى السوق وقال لها بعض كلمات جميلة استحوذت على
قلبها ثم قال لها أنا أريد الزواج منكِ ، فأخبرت أولاد زوجها بذلك فأخبروها بأنهم
ليس لديهم مانع ولكن بشرط أن تعطيهم ابنها الصغير ليظل معهم وسوف يقومون بتربيته
وتعليمه فوافقت وهى مطمئنة لأنها تعلم تماماً مدى حب إخوته له ، وأنها أيضاً ستكون
بجواره لأن بيت الزوج الثانى مجاور لبيت زوجها الأول .
فوافقت
على الفور وتزوجت بهذا الشاب الذى كان يطمع فيها وفى مالها .
ولقد
كانت امرأة جميلة بل غاية فى الجمال فأحبها الناس جميعاً فى السوق ، وبدأت تتاجر
فى السوق وتربح إلى أن أصبحت فى عدة سنوات من المعدودات فى التجارة وأصبحت نصف
مليونيرة .
ولكن
زوجها أصبح لا يعمل وينام طول يومه ويسهر طول ليله وأنجبت منه ولداً وبنتاً ،
وأصبح مدمناً للمخدرات ، وصار يسرق منها أموالها ويضربها ضرباً شديداً ويهينها ،
فمرضت مرضاً شديداً وذهبت إلى الطبيب وأثناء عودتها صعدت روحها إلى السماء وهى لم
تتعدى الخامسة والعشرين من عمرها .. فكانت هذه قصة سعيدة الغير سعيدة مع الحياة .
الفهرس
م
|
القـــــصة
|
الصفحة
|
1
|
إهداء
|
|
2
|
رؤى نقدية لبعض النقاد
|
|
3
|
الضحايا الأربعة
|
|
4
|
الانـحـــراف
|
|
5
|
الخير والشر
|
|
6
|
حـــيـاتــى
|
|
7
|
من الحياة
|
|
8
|
الأمـــــــــــل
|
|
9
|
حلم اليقظة
|
|
10
|
ضحكت حتى بكت
|
|
11
|
سعيدة
|
|
12
|
الفهرس
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق